الفصْلُ الخامِس

133 10 1
                                    

مُورِس أغرِيست-٢٤- جُنديّ فرنسِيّ

لوكسُومبورِغ ١٩٤٠


لَو سُئلتُ عن أحنّ اللّحضاتِ لقلبِي، سأجيبُ السّكينَةَ.
الضبَابُ و الغُبارُ يغلّفانِ الأجواءَ، رائحةُ الدماءِ الخانِقة و مرآى الجُثثِ الجالِب للغثيانِ، هذِه أجواءُ أولَىٰ أيّامِ الحربُ، و مؤكدٌ ليسَت آخرَهاَ.

الرّؤيَة تكادُ تكونُ شبهَ منعدِمة فأخافُ عدمَ تمييزِي بينَ فرنسيّ و ألمانِيّ،
لذلكَ رحتُ أقي نفسي خلفَ ركامِ إحدَى العرباتِ.
لبثتُ قليلًا أجمّع ما ضاعَ من أنفاسِي لأعودَ فلا مرادَ لي بنعتيِ بالجبانِ الخائن،
إتّكأتُ برأسي علىٰ الهيكَل في حسرَة، لستُ أساسًا من هواةِ التعنيفِ لكنّي هنا بقرارٍ من الحكومَة بتجنيدِ الجميعِ حتى بعضَ النسوة، و حقيقَة هذا غيرُ إنسانيّ.

ترائى لي خيالُ شخصٍ قادمٍ نحوِي، لم أتمكّن من تميِيز إن كانَ بغرضِ مساعدتِي أو سلبِي أنفاسِي منذُ أنّ الأتربَة و الدمَاء متجمّدة على ثيابِه العسكرية.
لكن ما إن أوشك علىٰ تعدّي مسافةِ الأمانِ التِي وضعتُها حتّى وضُح لي أنّه ألمانِيّ أجزِم أنّه سينهينِي فلا فرصَة لي بصدّه.

ثبّتتُ مقلتيّ عن الإهتزازِ و ملتُ لحملِ بندُقيّتي بحذرٍ شديدٍ لولَا إيقافُه لي و تحدّثه معي بفرنسيّة متقَنةٍ
"لن أقتُلك، أنتَ بالكادِ تتنفّس، خذ و إشرب ليسَ مسمومًا"
قدّم لي عبوّة ماءٍ تردّدتُ في أخذها لكنّ عادَ لذكرِي كوننا في حربٍ و موتُنا محتّم.

إبتلعتُه جَميعًا في جوفيِ ثمّ رفعتُ ناظريّ ليحُطّا عليهِ، و قد كانَ يبادلُني بعمقٍ زَرعَ رعشَةً داخلِي.
لم يطُل الأمرُ بسبَبِ القَذيفةِ التي تمركَزت علىٰ بعدٍ بسيطٍ منّا لأُفاجَأ بهِ يجرّني من يدِي وسطَ الرّصاصِ المترامِي و الغُبارِ العائم. لوهلة نسيتُ كونِي خاضعًا مستسلِمًا لخطواتِ من ينبَغي أن يكونَ عدُوّا لي، لكنّي و بشكلٍ مريبٍ شعرتُ كما لو أنّه لن يؤذِيني.

ما لبثنا حتّى قفزنَا وسطَ عمقِ خندقٍ و ياليِ من أخرقٍ، الآن أنا داخِل عرينِ الألمانِ و هلاكِي محَتّمٌ.
إلتفتَ لي تزامنًا مع إفلاتهِ قبضتِي و إبتعاده عنّي، تردّدتُ في تتبّع خطواتِه لكن لا نفعَ من كلّ هذا، مشيتُ إثرهُ حتّ لاح لي وهجٌ بينَ الصخورِ.

أعادَ الشّابُ الإلتفاتَ لي ثمّ دخلَ ذلكَ التجويفَ لأماثِلهُ بهدوءٍ،
و كانَ أولّ ما قابلنِي مظهرُه مع شابٍ آخر مع إبتساماتٍ غريبَة تعلوا محيّيهِما


"أيّها الفرنسِي، لنا معكَ مشوارٌ ستملّ طولَه"


لا أعلمُ حقّا، حينها، أفتحَت لي أبوابُ الجِنانِ أم الجحيمِ، لكن، منذُ تلكَ اللحظة، صارَ إنكارُ كونِ الشّقيقَينِ جزءًا مهمّا من حياتِي مستحيلاً.




لا أعلمُ حقّا، حينها، أفتحَت لي أبوابُ الجِنانِ أم الجحيمِ، لكن، منذُ تلكَ اللحظة، صارَ إنكارُ كونِ الشّقيقَينِ جزءًا مهمّا من حياتِي مستحيلاً

Ups! Tento obrázek porušuje naše pokyny k obsahu. Před publikováním ho, prosím, buď odstraň, nebo nahraď jiným.

مورِيس أغريسْت
٢٤

جُرمْ: قِناعُ الَسّاديةٰKde žijí příběhy. Začni objevovat