1| رذاذٌ يَذرِفُ موتًا

310 24 9
                                    

«وكأنّ روحِي اكتفت من خطَايَاي ما أضناها تعبًا، لتخرج من جسدٍ آثم، أسفل زخّاتٍ قويّةٍ بدت وكأنها فَرِحةً لها.»

صوتُ صفير قويّ، سيّاراتٌ تسيرُ على جانبيّ الطّريقِ بسُرعةٍ، بينما هِيَ تستلقِيَ أسفل المطر بوهنٍ بعدما خرجت من سيّارتها بصعوبةٍ، تُحاول يائسةً النجاة، لكِنّ النجاةَ من الموتِ ليست شيئًا سهلًا، وخاصّةً حين يأتي للبحثِ عنك.

«سيّدي، هذه السيدة تبدو متعبة، أعتقد بأن إصابتها خطيرة.» نادَى أحد الأشخاص الذين ترجّلوا من سيّاراتهم حين مرّوا بجانبِ حادِث تصادم سيّاراتٍ وقعَ على الطّريقِ السّريع، مُشيرًا نحوها بلهفةٍ، لا يُوجَد الكثير من الضّحايا، فقد تلقّت سيّارتها كل الصّدمة.

على الجانب الآخر، نَهَجَ أنفاسًا ثقيلةً، فتح باب عربته بصعوبةٍ، يحاول الزّحف خارِجها بكُل قِواه، ليس رغبةً بالنّجاة، وضع كفّه على مكان الألم الذي تموضع بصدره مُحاولًا الوقوف على قدميه، فوقف وأخيرًا بترنحٍ، وكأنّ الرّيح القويّة من حوله ساندته على ذلك.

سارَ بثُقلٍ جارًّا قدمه اليُسرى، فقد أصيبت، لكن لم يهتم، وأخيرًا وصل لوُجهته.
انحنى بجسده نحو المرميّةِ أرضًا، رُغم الألم، كان مُبتسمًا، ابتسامةً مُتشفّية بينما يتفحّصها بعينينِ تحيكانِ الآلاف من كلماتِ الشّماتةِ، ونظرات الانتقام.

ردّد بعد صمتٍ، بصوتٍ خفيضٍ، ببسمةٍ مُتشفّية:
«تستحقّين، وأخيرًا أصبح العالم عادِلًا.»

جلس أرضًا، مُسندًا رأسه على عربتها، مُستسلمًا تمامًا لمصيره، وللبرد القارص المحيط بالمكانِ من حوله، بينما يُطفئ أجيج صدرِه بنظراتٍ خاطِفةٍ نحوها، فرؤيتها بهذه الحالةِ الواهنةِ، مُغلقةً عينيها غصبًا، هاتين العينينِ اللعينتينِ، والمُسمّمتينِ، أمرٌ نادِر، وسيُصبح أكثر نُدرة، بعد هذه الليلة الماطِرة.

--
أطلقت أنفاسًا عاصِفة، ورذاذًا حارًّا ينسابُ بخفّةٍ من أهدابها، فتقدّمت للأمام بخُطًى ثقيلة، وعقلًا مُشتتًا، لم يستطِع ذلك الغيث الكثيف إيقاظه، بل كان وكأنه يزيد ممّا يُعانيه.

إنها هيَ من تستلقِيَ على فِراشِ الموت أمام عينيها، مهما حاول المُسعِفون تنشيط قلبها، لا يستجيب.

«وقتُ الوفاة: السابعَة وخمس دقائق مساءً، في الحادِيَ والعِشرون من ديسمبر، ألفين وعشرين.» نبس المُسعِف بأسفٍ، ثُمّ نهض من على جُثمانِها، فغطّى باقي المُسعِفون جسدها بملاءةٍ بيضاءَ، حتّى اختفت تمامًا أسفلها.

«مُستحيل.»

«إنها أنتِ.» صوتٌ داهم عقلها فجعلها تصرخ بأعلى صوتٍ، تُنكر حقيقةَ ما يحدُث:
«مُستحيل! مستحيل!»

لكن لم يسمعها أحد، ولم يلتفت إليها أحد، وكأنها طيف هشّ، فسقطت أرضًا بقوًى خارَت، واستيعابًا توقّف عن إدراك الموقف.

..
«فباتت بائسة وحيدة، حين انفضّ الجمع الغفير من حولها، في لحظةِ سقوط الأقنعة.»

.
يُتبع.
تصويت 🌟.
338 كلمة.

غَيث: غمامةُ رَوح√.Kde žijí příběhy. Začni objevovat