5|ما بعد النّهاية بِداية

121 18 14
                                    

«بين صَحوةِ الموتِ وحياةٍ طويلةِ الأمد، سببًا واحِدًا للعيشِ.. وعشرات الأسباب التي توْدِي إلى الموت.»

أخذت نفسًا عميقًا وزفرته، رَفعت كفًا بثقلٍ نحوَ عينيها المُغلقة، ففركتها، بانزعاجٍ من ذلك الضّوء المُسلّط عليها.
فتحتها باستسلامٍ لتُقابلها أشعّةُ الشّمسِ السّاطِعة، بدى وكأنّ الوقت ظُهرًا لقوّةِ ضوء الشمس.

زفرت بعمقٍ، وحاولت الاعتدال جالِسةً، بينما تتثاؤب ناعِسةً لجفونها التي لا زالت مُثقلة، ألقت نظرةً حولها، هذا اللون الأبيض، والغُرفةِ المليئةِ بعبق الأدويةِ والمُغذّيات يُزعجانها كثيرًا، لطالما كرِهت المشفى، وكرِهت كُل شيءٍ فيها.

«ليليانا! حمدًا لله أنكِ استيقظتِ!» صوتٌ تألفه هتف بلهفةٍ، وجسدًا مليئًا برائحةٍ مُحبّبة لقلبها يرتمي في أحضانها فيُعانقها بكُلّ قوّة، إنها والدتها!
آه وأخيرًا..

تشبثت ليليانا بأحضانِ والدتها بشدّة، ظنّت بأنّها لن ترتمي في هذه الأحضان ثانيةً، ولن تشتمّ هذه الرّائحة الذّكيّة من جديد.

أطبقت جفنيها فتسلّلت بضع دمعاتٍ منهُما، تركتها بحُرّيّةٍ حتّى يُشفى غليل قلبها، ويستكينُ روعها في هذه الدّقائق الثمينة.

نبس صوت والدتها بخفوتٍ، مُرتجفًا، فاختنق في مُنتصف كلماتها:
«ظننتُكِ.. ظننتُكِ سترحلينَ، كوالدكِ، كُنتُ خائفة.»

تشنجت ليليانا بُكاءً، فربّتت على ظهرها، تُهدهدها، كأمٍّ تُسكّن روع طفلها الصّغير، وهسهست ببحّةٍ مُرتعشة:
«لا تقلقي، أنا هنا، دومًا سأكون هُنا.. أمّي.»
---

- أمّي، هُناك شخصًا... أرغب في حضوره.
- من؟
- سأكتبُ لكِ عنوانه ورقمَ هاتفه في هذه الورقة.
- حسنًا.
- إنّها فتاة صَغِيرة، خمسة عشر عامًا، تُدعى ليليانا، إن اخبرتِها بالهاتِفِ عنّي قد لا تأتي، أخبريها أنّني على فِراشِ الموت.

«ماذا تقولين! أنتِ بخير تمامًا، إيّاكِ والنُّطق بهذا ثانيةً!» صاحَت الأمّ بانزعاجٍ ممّا قالته ابنتها، لكِنّها كانت متأكدة تمامًا أنّ ذلك هو الواقع، وهذا ما أكّده الطّبيب لها حين ذهبت صباحًا لتسأله عن حالِ ابنتها.
إن استيقظت ستكون مُعجزة، ولن يكون أمامها سوى بعض الوقت فقط، إنها الآن على فِراشِ الموت. آسفٌ لذلك.

أخذت الورقة من ابنتها بيدينِ مُرتعشتينِ، وقامت بالاتصال بالرّقم، وأخبرتها كما قالت ابنتها تمامًا، حتّى أنّها قالت:
هيَ على فراشِ الموت، وأمنيتها الأخيرة كانت أن تراكِ.
--
- مرحبًا ليو، كيف كان حالك في الفترةِ الماضية؟ حين تسمع هذه الرّسالة الصوتيّة لا تتصل بي، لأنني لن أكُون حيّةً بعد الآن.
لديّ فقط بعض الوقت، لا أدري كم بالضّبط، لذا دعني أخبرك بأمنيتي الأخيرة، رجاءً، إن فعلتها لأجلي، سأكون مُمتنةً لك.

غَيث: غمامةُ رَوح√.Where stories live. Discover now