3|نَصلٌ قاتِل

65 17 12
                                    

«وأصرّت الحياةُ دومًا على السُّخريةِ من بشرٍ، لم تُكلّف نفسها يومًا عناءَ مُساعدتِهِم.»
..

«مرحبًا، لا أكتب هذه الرّسالة حتّى أشمت في موتكِ، ولا لأشعر بالنّشوةِ لذلك، في النّهايةِ جميعنا كنا سنموت، الفرق فقط هو التوقيت.

لكِنّي دومًا لطالما أردتُ سؤالكِ، لِمَ كُنتِ تفعلينَ ذلك؟ وكأنّ الحياة البائسة دفعتكِ لفعلِ ذلك، فلم تكتفِي بمُشاهدتنا نُعاني طوال الوقت، ودفعتكِ أيضًا.

أكنتِ تستمتعين بذلك؟
ما الهدف في النّهايةِ من كل هذا! بعض النقود؟ وريقات لا قيمةَ لها إن انقطعت، أهي تستحقّ؟

على كُلٍّ، لقد فعلتِ ما فعلتِ وانتهى الأمر، كُنت دومًا ما آمل أن تصفعكِ الحياة تستيقظي من غفلتكِ، نهايةَ المطافِ ستترُكين كل ذلك خلفكِ، وستذهبينَ وحدكِ لعالم الأموات، لكن لم يحدُث ذلك.»

دون أن تدريَ جعّدت الورقةَ لقوّةِ تمسُّكِها بها، أهو غضبًا أم حُزنًا؟ لم تعرف.

وضعت القُصاصة بالصُّندوقِ ولملمَت فيه بعض الأشياء المتواجدة بالمكتب، والتي كانت تخُصّ ابنتها، ثُمّ حملت حقيبتها وغادرت، بتردّدٍ خطت للخارج، وكأنها تأمل بأن يظهر شيءٌ ما ينفي ما عرِفته توًّا، هي لا تريد شيئًا آخر يُؤكِّد ما قرأته، لأن ذلك لن يجدي نفعًا، فقط ستبدأ بكُرهِ ابنتها الوحيدة والمُحبّبة.

كانت عبراتُ ليليانا تستمرّ بالتسلّل، بينما لا تزال تشاهِد والدتها تسيرُ أسفل المطرِ الكثيفِ بلا وعيٍ، والحُزن يكتنفُها، أخذت شهقةً مُرتجفة وزفرتها، وردّدَت:
«آسِف..»

- وكأنّ الدّمع الحارّ سيُطهّر روحًا دُنّست، أو سيُودّع الحُزنَ من على وجوهِ هؤلاء البشرِ، إن كان كذلك، فما خُلِقَ شيءٌ اسمه ندَم، أو أوانٌ فات.

أخفضت بصرها للأسفل، بالكادِ ترى أقدامها المُعلّقةُ بالهواءِ، وما أسفله من سوادٍ حالك، هسهست ببحّةٍ مُرتعشة:
«وكأنّ النّدمَ سيرحل..»
-
أمسكت بفنجان قهوتها السّوداء ورفعتها لترتشفَ منها، لكِن قبل ذلك تساءلت بهدوءٍ:
«أهي مُرّة؟»

«كما طلبتِ تمامًا.» تمتم الرّجل الجالس بموازاتها بابتسامة جانبية، فأخذت رشفةً منها، ونبَست:
«أتعرفُ بأنني قد أصبح مُرّةً كطعمِ هذه القهوة، حِين يتمّ خِداعِي؟»

كشّر الأخير عن ملامحه، وقد حاكت تساؤلًا عن معنى ما تقوله، فوضّحت، بصوتٍ خطير:
«لقد وعدتني بنسبةٍ من أسهم شركةِ الأدوية خاصّتك، تذكُر؟»

نظر لها طالِبًا توضيحًا بينما ينحني نحوها أكثر، فاسترسلت بذاتِ النّبرة:
«أين هيَ إذًا؟»

قهقةٌ قويّة دوت في المكانِ، تبعها صوته السّاخِر، واضِعًا قدمًا على الأخرى بخيلاء:
«كان هذا بعد انتهاء القضيّة.»

«يُمكننا بالفعل اعتبارها منتهية، الجلسة القادمة وتنتهي.»

«لا يُهمّني ذلك، ماذا إن قام أحد الضّحايَا بفعل شيءٍ غير مسؤول دمّر ذلك تمامًا؟»

أطلقت صوتًا ساخِرًا، ورفعت حاجِبًا، بينما تُردّد بثقة:
«أنت تعرف بأن ذلك لن يحدُث، لقد اهتممتُ بهم بالفعل.»

«آنسة ليليانا، الاتفاق اتفاق، حسنًا؟» حلّ صمتٌ مُخيفٌ على المكان، لكن المُشاحناتِ الحادّة بين أعينهما لم تتوقّف.

«دعني أخبرك بشيء، حتّى وإن انتهت هذه القضية، أستطيع بكل بساطة أن أقلب الموازينَ ضدّك، إن أردت أن تتلاعب بي.» تمتمت بينما ترتشف من فنجانها، بنبرة باردة، حكّت جبهتها بهدوءٍ، وتابَعت بتهديد:
«لستُ سهلةَ الأكل، كما تعرِف.»

التوى ثغرها مُظهِرًا بسمة خبيثة، بنظرةٍ مخيفة تحيكُ تهديدًا واضحًا، وضعت الفنجان على الطاولة أمامها، ثُمّ وقفت مُردّدة:
«شُكرًا على القهوة.»

وغادرت المقهى بخطواتٍ مُتعالية، تابَعها بنظره إلى أن ابتعدت طرقعةُ كعبها العالي، بأنفاسٍ هائجةٍ وعينينِ تُطلقان شرارًا، فألقى فنجان قهوتها أرضًا بقوّةٍ حتّى تهشّم، بينما يُتمتم ببعض الكلماتِ المتوعّدةِ بقتلها.

«أنا نصلٌ قاتِل، يا عزيزي، إن لم تعرِف.» بابتسامةٍ ساخِرة، ردّدَت، بجُملةٍ عُرِفَت بها، وتابَعت سيرها حتّى وصلت لعربتها السّوداء العالية.

..
«بعد مسافةٍ طويلةٍ من الطّريقِ الذي اتّبعناه نكتشفُ بأننا سلكنا دربًا خاطِئًا، خاطئًا تمامًا عزيزي.»
.
يُتبع.
تصويت 🌟.
515 كلمة.

غَيث: غمامةُ رَوح√.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن