6|لم تكُن، فكانت

43 17 3
                                    

«أغمِض عينيك للحظةٍ واستمِع لتراتيل الطّيرِ على جانبَيّ الطّريقِ، من قالَ أنّها لا تُعانيَ؟»

الثانيَ والعشرينَ من ديْسمبر، ألفينِ وثمانية وعشرين.

«محكمة!»
«رُفِعَت الجلسة.» ردّد القاضي بعلوٍّ بينما يضرب بالمِطرقةِ على الطّاولةِ عِدّة مرّاتٍ مُتتالية، ثُمّ نهضَ من مكانه وغادر، بينما يتبعه باقي المُستشارين في القاعة.

«كالعادة ليليانا، فوزٌ آخر اكتسح الجميع! أحسنتِ!» ردّد أحدهم بحماسٍ سعيد، بينما يُناولها الحقيبة التي بيده، ضحكت ليليانا بسُخريةٍ مرِحة:
«ويبدو بأنك ستظل مُتدرب يعمل تحت إمرتي للأبد، سبنسر.»

عبس الأخير بخفّةٍ، بينما ينبس:
«لِمَ أنتِ قاسية هكذا؟»

«لستُ قاسِيَة، أنا أسرد الحقائق فقط!» أردفت بعدما تقدّمت بوجهها نحو وجهه، بقربٍ شديدٍ أربكه، فضحكت ثانيةً لملامحه، ثُمّ تساءلت بينما تجول بعينيها في الأرجاء:
«أين هو ليو؟ سيكون سعيدًا بأنني جلبتُ المزيد من المالِ والفوزِ لشركته.»

«لم يأتِ.»

التفتت ليليانا إلى سبنسر بتعجّب بعد كلماته الأخيرة، لتُردّد:
«لِمَ؟ ليسَ من عادتِهِ أن لا يأتي لجلسةِ أحد موكليّ.»

«أخبرني بأنّه مُنشغلٌ اليوم، لذا لن يأتي، كما أنه قال: أنا على ثقةٍ تامّة بأنّ ليليانا الصّغيرة لن تخسر أبدًا.» أجاب بينما يُحاوِل تقليد نبرة صوتِ المُسمّى بـ ليو، ابتسمت بسعادةٍ لم تظهَر على وجهها، لطالما أرادت سماع هذه الشّهادة من فاهه مُباشرةً، لكِنّه دومًا ما كان يسخر منها بغرضِ المُزاح.

«أيضًا، رأيته يحمل باقة، فيها زهور.. أعتقد بأنها التوليب.» أردف سبنسر بعد أن وصلا نحو العربةِ الخاصةِ بها، كادت تفتح الباب، لكِنّها توقّفت بينما تتساءل:
«أنت مُتأكد؟»

أومأ سبنسر ببلاهة، لقد عَرِفَت إلى أين ذهب الآن، أخرجت هاتفها النّقال من حقيبتها، لكِنّها اكتشفت بأن شحنه قد نفذ، فتسائلت بعجلة:
«ما تاريخ اليوم؟»

«الثاني والعشرين من ديسمبر، لِمَ؟»

هتفت بسرعةٍ بينما تركب العربة مُستعدّةً للانطلاقِ:
«لا شيء، استقل عربة أجرة، فلن أعود للمكتب.»

صاح وهو يلمح سيارتها تبتعد شيئًا فشيئًا بصوتٍ عالٍ علّها تسمع:
«ما الأمر؟ إلى أين تذهبين!»

«لديِّ مكان أذهب إليه.»

لم ينسى، هذا اليوم من كُلّ عامٍ هو ما يُشعِرها بالنّقصِ أمامها، ليليانا الأخرى والتي لطالما كانت كابوسًا لها، رُغم أن اسمائهما تتشابه، إلا أنها لم تستطِع أخذ مكانها في قلبهِ يومًا وأبدًا.

غَيث: غمامةُ رَوح√.Onde histórias criam vida. Descubra agora