خالٍ من المرايا

25 2 0
                                    

في هذا البيت الخالي من المرايا، تتصاعد علامات التساؤل حول رمادية الأثاث، حول الستائر المغلقة والحلكة التي تكسو الجدرانَ، وتصاعد البخار من إبريقِ الشاي في المطبخ.

المطبخ؛ حيث منبعُ ضوضاء كلّ عراك، الماء في الإبريق يتخبط متأجِّجًا بالغضب الحارِ الذي تشبَّع به حدَّ الفيضان، يسكب ويسكب ما في جوفه غير مبالٍ بالموقد الذي احترق بكلماته اللاسعة، ويأتي دور الإبريق ليلمِسَ غضبه بنفسه؛ حينما تنطفئ نار الموقد بالماء، وتنسكب القطرات الأخيرة على الإبريق ذاته، القطرات الحارقة ككلّ مرة.

في هذا البيت الخالي من المرايا، لا يعترف أحد بخطئه، ولا يُقِّر بهزيمته أمام الطرف الآخر، فيستمرُّ الآذى، ويوَاظَبُ على تكذيب الحقيقة.
فلمَ هذا البيت خالٍ من المرايا؟ حتى لا يبصرَ المرءُ خطأً زُرقةَ الكدماتِ على وجهه، أو اِحمرارِ عينيه إثر كثرةِ البكاء، أو اِبيضاض الخصَل بعد شجارٍ يشيّب الرأس.

حتى لا يبصر المرء الحقيقة، وإن كان يدركها تمام الإدراك.

وفي هذا البيت الخالي من المرايا، زوجٌ من الدمى زجاجية الأعين، كان الإبريق والموقد يخشيان النظر إلى حَداقِهما التي سرعان ما تتشبع بالخوف إذا ما انطلقَ صوت الصراخ الحادّ، تعكِس الذُّعرَ الذي يرونه، لطالما هرب الإبريق والموقد من الحقيقة!

في هذا البيت الخالي من المرايا، لم ترَ الدميتان الولَدَين سعيدين يومًا
لطالما كانا في شَقاء
لم يعودا يشتهيان طعامَ العشاء
وتعالت في قلوبهما أصواتُ النداء
كان حينئذ يوم الأربعاء، يومَ سمعت مناجاتَهما السماءُ
لم تقدر على شيء، لم تقدر سوى على البكاء
احتضان دُماهما ليلًا كان دليلَ الرجاء
وأمام آلة التصوير تضمّ الأم ابنيها إليها، ويقترب الأب باسِمَ الثغرِ ينضم إليهم، وكأنّه لم يهدد زوجته بالسِكين ذاك المساء.

في البيت الخالي من المرايا، الجميع يهرب من الحقيقة.
هذه إجابة كل تلك الأسئلة.

مَرج.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن