أنه واقعٌ لها

126 12 13
                                    

ترفع رأسها من على وسادتها الناعمة فتجد نفسها ما تزال فوق أريكتها، في نفس الوضعية التي غفت عليها ليلة أمس.

حاولت معرفة الوقت من النظر للنافذة فوجدت السحاب يحتضن شمسه والناس خارجًا يتأفأفون من ضيق النور الذي يصلهم منها، يجرحون مشاعر السحاب بشفرات كلامهم، فيهنف باكيًا متحسسًا منهم، يروي بدمعه الأرض.

يخرج حينها الأطفال يهتفون بسعادة يلعبون تحت المطر، فتتسائل: هل أحزاننا تفرح غيرنا؟

استقامت إلى المطبخ بعد أن هذبت خصلاتها الكستنائية ورتبت كنزتها الوردية، ضغطت زر آلة القهوة وأخذت تصنع من شرائح الخبز بيتًا للمربى، تراقب النافذة التي باتت متزحلقًا لقطرات المطر وتتنهد صانعةً أمامها كرةً بيضاء من القطن، ولكن سرعان ما تختفي.

عادت لمرقدها، عدلت مجلسها وحشت جوانبها بالوسائد والأغطية، حملت جيتارها واجلسته في حِجرها، ثم بدأت تداعب أوتاره، تعزف لحنًا تألفه لا تحفظه، تحاول تذكر أين سمعته ولكنه أبعد من الذاكرة، تغوص في تفاصيل الأيام وتبتسم بينما تحدق في الفراغ، وأناملها ما تزال تعزف على غير هوادة.

وقع قطرات المطر يلهمها على الإكمال، رائحة التراب المبلل وتخبط الستائر بالريح الباردة، فمها يهمهم محاولًا صنع كلماتٍ تغنيها، عيناها ما تزال شاردةً تبحث عن ثنايا تلك اللحظة، فتتذكر أنه عزف لها هذا اللحن في ذلك اليوم الماطر، في ذلك اليوم الذي أخبرها أنه واقعٌ لها.

مَرج.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن