-بداية جديدة-

61 12 17
                                    

|سنة 1950|






هواء شديد يضرب وجهها علي شاطئ البحر، تغرس أصابع قدمها في الرمال، تغمض أعينها لتستنشق هواء البحر المالح بينما يتطاير فستانها القصير، هذا كل ما كانت تتمناه لفترة طويلة.
إرتدت حذائها و غادرت إلي محطة الحافلات، جمعت كثيراً من الاموال لتقوم بهذه الرحلة المُغامرة، وحدها تماماً.

وصلت إلي المدينة، أماكن جديدة، أشخاص جدد، وحتي الهواء مختلف، بطريقة ما لكل مدينة روح، جو خاص بها، شعور لا يمكنك أن تشعر به في سواها.
كانت تلك المدينة، لندن، تملاؤها رائحة دخان السيارات، وشعور بالحُرية.
تسلك الطرقات لتجد أشخاصاً واثقون من أنفسهم، و يتصرفون بالطريقة التي يحبونها، دون أي خوف، أو تردد.

وضعت أغراضها في غرفة الفندق، ثم خرجت بِفستانها الابيض القصير الذي يتماشي بشكل خلاب مع أحمر شفاهها الداكن، و شعرها القصير إلي الاكتاف، لتتجول في أرجاء المدينة.

أخرجت دفترها من الحقيبة لتشطب علي "محل الزهور"  بعدما إشترت ثلاث زهرات من النيولفر.
لطالما أحبت روزالين الزهور، تلك الزهرة تحديداً تذكرها بالماضي، بمنزل طفولتها، وبصديقتها القديمة.

ــــــــــــــــــــــــــ

مرت ثلاثة ساعات و هو ينتظر، واقفاً أمام المتحف، ينظر إلي ساعته من حين لآخر، ممسكاً بباقة من الزهور.
نظر إلي الطريق بحنق ثم رمي الباقة بجانب عمود الإنارة.

دخل إلي المتحف الذي كان من المفترض أن يكون مكان موعده الأول معها، ولكنها لم تأتي.

ينظر إلي اللوحات بألم، لربما يجد لوحة تعبر عما يشعر به، الخذلان.
لمَ قبلت عرضه إن لم تكن تنوي الحضور من الأساس؟ 

وفي الركن الهادئ في آخر القاعة، كان هناك فتاة، بشعر قصير و وزهوراً في يديها، زهوراً يعرفها جيداً، فهذا هو نوع الزهور نفسه، الذي رماه منذ قليل.

كانت تعطيه ظهرها بينما تنظر للوحة..تقدم خطوات ليقف إلي جانبها، لم تتحرك علي الاطلاق، بل بقيت في مكانها، تتأمل اللوحة.

نظر إلي اللوحة في صمت، حتي تكلم فجأة

"ماذا تفعل فتاة وحيدة مع زهور في متحف؟" 
لا يملك أي فكرة عن كيف كان شجاعاً كفاية ليتحدث، أو لماذا قال هذا من الأساس.


لم تُجب عليه لمدة، حتي قطعت تأملها الطويل لتقول

"أشاهد اللوحات، ماذا يفعل فتيً يريد أن يغازل الفتيات في متحف؟"

تصنم في مكانه.. ولكنه حافظ علي ثبات تعابيره.

"تلك الزهور.. إنها من المفضلين لدي، وشعرت أنها صدفة غريبة ليس إلا"

لم يعرف سبب وقوفه معها لهذه اللحظة، سبب حديثه معها وإخبارها عن زهرته المفضلة ولكنه مايزال واقفاً، إلي جانبها وكلاهما ينظران إلي تلك اللوحة.

إلتفتت تجاهه لأول مرة

"مهلاً.. أنت إذاً من رمي باقة الزهور تلك أمام الباب؟"

لينظر تجاهها هو الآخر، وتتقابل أعينهما.

"كان من المفترض أن اعطيها لأحدهم..."
ث

م أعقب بعد برهه

"ولكنها لم تأتي"

نظر بحزن إلي الارض، ضاماً قبضة يده.


"لستِ من هنا، اليس كذلك؟"

"كيف عرفت؟" 

سألته بفضول، ولأول مرة مبديةً اهتماماً ظاهراً علي وجهها.

"أعيش هنا طوال حياتي، وأنتِ لا تشبهين فتيات المدينة"

"أتيت إلي هنا في رحلة.."

"هل ترغبين في شرب كوبٍ من القهوة؟" 
قال بعد صمت قصير، ثم نظر لعينيها وشعر بالإرتباك فأكمل
"

أعني..أظن أنكِ هنا وحدك، سيفيدك دليل حول المدينة.وانا علي ما يبدو، ليس لدي شيء لأفعله."

ساد صمت قصير قطعته بقولها
"حسناً"

لُغة  الزهورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن