10

733 41 513
                                    


الفصل العاشر_حَمَلٌ أسود

___________________________________

قال شيرود بأن فكرة وجود إله مثيرة للاهتمام، وأنه غير قادر على نفيها أو اثباتها، أما آنجلو فكان رافضاً للنظرية بشكل قاطع، يظن أن العلم يحمل التفسير الوافي لكافة الظواهر في هذا الكون، وما أن ندخل القرن الجديد سنكون قادرين على ادراك الحقيقة الفعلية وراء نشأتنا. كان الأشقر الروسي يسير على بعد خطوتين منه حاملاً لوح تزحلقه، منحه شفنة صامتة من زاوية عينه، مظهراً علاماتٍ من الامتعاض.

" لا تشفني هكذا أيها المتزمت!"

هانتر كان الصبي شديد الزهد، الفتى الذي يصحو فجراً ليركع جوار النافذة رافعاً راحتيه نحو السماء، اقتاد اخوته فرداً فآخر لحب القدر، للايمان بوجود المحرك الأعظم، وللحمد الثابت في كل حال. في الماضي كانت والدته امراة دين وسيدة خلق، وهبته خصاباً أخرى غيراً عن سماتها الروسية، فبدأت قناعاته ترسم أولى خطواتها انطلاقاً من إيمانه بالحاجة الملحة لوجود قائد، حاجة الكون العظيمة الى الانصاف، ذلك النوع من العدل الذي لا يمكن أن يتم الحكم به في ظروف الأرض. كان خاضعاً للطبيعة وراضٍ بشريعة الوجود، ولذلك فقد انتظر الانصاف والرحمة طيلة السنوات، واثقاً بقدومهما، راضٍ بنتائجهما. كان يظل يكرر مبرراً رأيه بأن مشروعاً لبناء منزل الشجرة لن يكلل بالنجاح دون فرد يقوم بادارته، لو نشأ الكون من العدم ثم تُرك طليقاً لانهارات كافة أساسات العلم والأدب فوق بعضها، لاستحالت كل الأشياء الى خراب، و لسلكت الغالبية العظمى من الموجودات السبيل الخطأ.

" آنجلو يا ابن العاهرة، كم مرة سنناقش ذلك؟ لا يصفو الكون الى استتبابه التام من دون مدبره الأول، من دون القوة التي خلقت معها كل الأشياء."

زفر آنجلو:
" هل تراه مستتباً؟ لا أراه، كيف يستقر بوجود الموت الذي يزحف الى غارات الأوغاد والمظاليم على حد سواء؟ الجوع الشديد والمرض الذي ينبثق في الخلايا من العدم؟ كل الظواهر التي تحرق آلاف الأرواح وتنهي عشرات القصص؟! "

" أراه مستتباً. "
أخبره هانتر، ثم منح السماء تاملاً طويلاً بلون الفكر و التركيز:

" لم يقل أحد بأن الاستتباب كناية عن بقاء كافة مخلوقات الكون منذ الأزل حتى الأبد دون أن تفنى، ولم يقل أحد بأن استقرار الأرض يعني راحة ورخاء كافة مخلوقاتها على مدار أربع وعشرين ساعة. "

رفع البريطاني حاجباً واخفض آخر، لم يكن فيما يسمع من تحقيق للعدل الذي يتسم الاله فيه. ظل منصتاً على الرغم من عدم اقتناعه، و تابع هانتر:

" تفشي الموت هو جزء من منهجية الاستتباب، و كذلك كل واقعة حلت بالأرض، كل كارثة أبادت أفراداً وأحلام، تلك أساليب التدبير، أجزاء من الخطة الالهية الكبرى. لم يخرج الأمر يوماً عن السيطرة، لن يفعل أبداً، خُلِقت تلك السيطرة لتحقق ثبات الكون عامةً وليس راحة الفرد الشخصية، دون الموت لا يمكن أن تزعم بوجود الحياة، دون الألم لا يمكن تمييز الشفاء، و دون السقوط لا يمكن أن تدرك أنك كنت يوماً في الأعلى، التعاسة جزء عظيم من الاستقرار، جزء عظيم من الإدراك. "

أربعة في الهاويةWhere stories live. Discover now