15

742 37 631
                                    


الفصل الخامس عشر_ رجل الشاي بالحليب

___________________________________


يمكن للغضب أن يخلق أسوء النماذج الإنسانية، بل أنه يستطيع خلق أي شيء على الإطلاق. يمكنه أن يجعل ذلك العاجز المكسور يدفن قائد عشيرته على رقعة ولادته، و يمكنه أن يجعل أماً تحرق العظام التي خرجت و ترعرعت من صلبها. يفوز الغضب كأكثر المشاعر صلابة و طغياناً، يمكنه حتى التفوق على الأنانية، وعلى المصلحة الشخصية.

وعيت الى ما فعلته حين حل منتصف الليل، حين تأكدت أن راي قد غفا بين ذراعي والدته، حين انهى اختبار العد الدموي الشامل، و حين توقف عن ذرف الدموع طوال الوقت من فرط الألم. تهاويت الى جذع غليظ و متين لشجرة جوز برازيلي، كان الهواء خضلاً جداً، والأرض رطبة و زنخة، تمنح ذلك الإحساس الهش بالغثيان، معدتي تنكمش، و رغبتي بالسقوط تتصاعد، كانت نجمة واحدة تنير السماء، تأملتها في مطلق الصمت، وأنا اهوي برأسي الى الجذع، البعد الذي بيننا كان يشعرني بالرعب، انه يجعل احدنا غير حقيقي، حياتي، أو حياتها. حاولت أن آخذ بضع أنفاس، لكنها كانت تأبى أن تدخل. أحس بالإرهاق، أحس بالإرهاق الشديد، من التعامل مع كل هذه الأشياء، ومن فرط استخدام تلك الخلايا اللعينة في الرأس الحقير الذي أملك، لماذا لا يمكنني أن آخذ استراحة مؤقتة؟ لماذا لا أعقد صفقة زمنية قصيرة مع الزمان و المكان؟

تهاويت على التربة المبللة، لم أفكر في الطين الذي سيترك بقعاً على بنطال جاك، أنا أحيك مشكلة بفرط إرهاقي من التعامل مع المشاكل، فرصة إيجاد عمل جديد في أقل من شهر مستحيلة، ماذا سيحل بالعائلة الرثة المعلقة حول عنقي في تلك الأثناء؟ قال باولو مدرّس الأحياء أن الآدمي خُلق وتكون ليعيش ثلاث دقائق بلا أكسجين، ثلاث أيام بدون ماء، و ثلاثة أسابيع من دون زاد. ماذا سيصيب رايموندو؟ ماذا سيحل بكل من جانيو ولوكي؟ سأدفن رفاتهم واحداً تلو الآخر، و أنا أقاوم ألا امزق الجلد الذي يغطي عظام وجهي، هل أنا بالقوة الكافية لحمل هذا الجزاء؟

يا الله، أرجوك انظر إلي، أتوسلك أن تنظر إلي، يا الله، لا تتخلى عني، لا تفعل.

هكذا وجدت ساقيّ تأخذني الى نزل برازيليا، وتتمايل.

أنا اتمسك بخيط رفيع من الدخان.

شعرت بشديد الغثيان و الدوار حين وصلت المدخل، كان الباب موارباً و الإنارة من الداخل خابية و خافتة، أحسست بحضرة غوستافو تطبق على المكان، تلمست الطبقة الغليظة من الغبار على المقبض الصدئ و تخيلت معالمه وهي تتفرس في وجهي، تذكرت الألم الذي كان يذيقني إياه كلما أخطأت الفعل والقول في صغري، صرخته التي تجعلني أرتجف، صحيح أنه أذاقني من والإهانة والوصب الجحيم، إلا أنه لم يكن يوماً إلا نفسه، غوستافو رجل عصبي طيب لا يحكم اعصابه البتة، واظن اني الى حد ما... كنت اثق به.

أربعة في الهاويةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن