الفصل الثاني

1K 105 41
                                    

فتح يونس عينيه ببطئ و هو يخاف من ما سيجده ...
فتح عينيه فوجد اخواته ما زالوا فى حضنه ، ابعدهم سريعا و هو يطمئن على كل واحدة منهن ، و عندما وجدهن سالمات سوى من بعض الاصابات الطفيفة نتيجة الارتطام حمد الله كثيرا انه لم يبتليه فيهن ، لم يبتليه فى ارواحه و اخواته ، لم يبتليه فى من يعيش لأجلهن ، لم يهتم لاصاباته و كأنها لم تعد تؤلمه بعد رؤيتهن بصحة جيدة ، نظر لاهل العزبة فوجد منهم من لا يستوعب ما حدث بعد ، و منهم من لا يصدق انه حى ، و منهم من يسجد سجدة شكر على تخطيه هذه المحنة ، لكن فى المقابل تجد صوت صراخ و نواح على من لم تصمد منازلهم فتهدمت فوق رؤوسهم ، صرخ بهم يونس :
- متصوتوش ، انتوا كدة بتعذبوهم .
لينظر الجميع له بانتظار ان يكمل ، ليقول يونس :
- ايه ؟ ، بتبصولى ليه فيه ايه ؟ ، هو انتوا مكنتوش عارفين المعلومة دى اصلا ؟ .
نفى الجميع برؤوسهم ليقول يونس بابتسامة مصدومة :
- بتهزروا صح ؟ .
لينفوا برؤوسهم مجددا ، كاد يونس ان يرد عليهم لولا انه لمح شيئا ما من بعيد جعله يفتح عينيه بصدمة و هو يقول بنبرة باكية :
- هو فيه ايييه ؟! .
نظرت له اخته ولاء بعدم فهم ليشير يونس على انحاء العزبة ، لينظر الجميع حيث يشير ، لتقول رِماز بغباء :
- ايه دة ؟ ، هو احنا كل دة كنا عايشين على جزيرة و منعرفش ؟ .
لتقول بسملة :
- لا طبعا ، كان ابويا قالى ، و بعدين يعنى ايه جزيرة اصلا ؟ .
لتصف لها بثينة و هى تدعى الذكاء :
- يا بت دى بتبقى حتة ارض مدورة شبه قرص المشبك كدة ، يعنى رِماز قصدها ان العزبة مدورة .
لينظر لهم يونس بعدم تصديق و يقول باستنكار واضح :
- قرص مشبك ؟!! .
ليردف بعدها يونس كأنه يشرح لأطفال :
- الجزيرة هى مساحة من الارض تحيط بها المياه من كل جانب ... معروفة دى ! ، مش لازم تبقوا متعلمين عشان تعرفوها ...
لتقول افنان بعدم فهم :
- معلش بس عندى استفسار صغنن ... ايه علاقة الحوار دة باللى حصل دلوقتى ؟ .
ليقول يونس بنفاذ صبر :
- احنا فين دلوقتى ؟ ، بصوا كدة ...
صمت الجميع ليردف يونس بغضب :
- احنا فى عرض البحر ، ارض العزبة متحملتش التسونامى و انفصلت عن المحافظة و بقينا عايشين فى جزيرة ..
لتقول نداء :
- ابيه .. هو يعنى ايه جزيرة ؟ .
ليقول يونس بصوت عال :
- فى مسلسل فى اللالالاند بتاع دنيا سمير غانم ، الطيارة وقعت على ايه ؟؟ .
رد الجميع فى صوت واحد :
- على جزيرة .
ليقول ببساطة :
- اهو العزبة بقا بقت جزيرة زى دى .
لتقول خولة بغباء :
- بس احنا مكناش راكبين طيارة ...
بينما صاحت شهد بمرح :
- يعنى فيه هنا جوز هند ؟؟ .
بينما يونس يكاد يبكى ...

.....................................................

اخذت تفتح عينيها اخيرا ، لا تتذكر شيئا بعد ان وجدت هذه الموجة العنيفة تصطدم بالعزبة ، ثم بعدها فقدت الوعى ، هبت واقفة و هى تنظر للكتب على الرفوف بجانب علب الصلصة ، التمعت الدموع فى عينيها و هى تمسك الكتب التى تلفت تماما و اختفت اوراقها و ضاع حبرها ، اخذت تتحسر على رفاقها الذين كانوا معها دائما ، كانت تحاول ان تتعلم القراءة و الكتابة من خلالهم و قد تعلمت البعض بالفعل ...
بعد قليل وجدت اختها تدخل الدكان و هى تنادى عليها بلهفة :
- بت يا حنان ، انت فين يا بت ... انت كويسة طيب ؟ .
لتجد الزهراء اختها و هى تبكى وسط الكتب ، لتصرخ عليها بغضب :
- و انا اللى كنت خايفة عليكى و قلت حصلك حاجة ، بتعيطى على حبة كتب يا بت ؟! .
ثم اخذت يدها و جعلتها تستقيم فى وقفتها و قالت بحماس :
- دة البشمهندس يونس بيقول انه بعد ما السنانى دة ضرب العزبة و احنا بقينا فى اللالالاند بتاعة دنيا سمير غانم .
و قبل ان تستوعب حنان شئ كانت الزهراء قد سحبتها للخارج حيث يقف يونس و الذى يبدوا انه سيصاب بجلطة من الجميع ، لكنه حينما رأى حنان ابتسم تلقائيا و سألها :
- انت كويسة يا حنان ؟ .
لتهز حنان رأسها موافقة ، تحدثت كلا من دينا و مريم و هن يغمزن ليونس :
-خف شوية .
نظر لهن يونس بإحراج كبير ، ثم اخذ يدور بعينيه فى العزبة ، فوجد فتاة تنظر حولها بخوف ، كما يبدو انها غريبة عن العزبة ، سألها يونس قائلا :
- حضرتك يا انسة ..
لتقول الفتاة بلكنة غريبة :
- حضرتك بتكلمنى انا ؟ .
لاحظ يونس لكنتها الغريبة و لغتها العربية الركيكة فسألها بالأنجليزية :
- where are you from ? .
لتبتسم الفتاة براحة انه هناك من يستطيع فهمها و تقول :
- I am from Italy .
-what's your name ?
- my name is Iman .
نظر لها يونس بتعجب لتقول موضحة :
- I am Muslim .
ليبتسم يونس و يسألها عن سبب زيارتها و ان كانت تحتاج لشئ و هى تجيب عليه ، لينظر الجميع ليونس أن يشرح لهم ، فيقول يونس موضحا :
- اسمها ايمان ، مسلمة من ايطاليا ، المفروض انها كانت جاية اسكندرية سياحة بس ضيعت الفوج بتاعها و تاهت هنا .
ليقول المعلم لولو ببسمة متسعة :
- يعنى البت اجنبية ؟ ، طب اسألها كدة هى متجوزة ولا لا .
لتقول ايمان بتقطع و حروفها تخرج ثقيلة من فمها :
- لا ، مش متجوزة ، بتسأل ليه يا استاذ ...
ليقول لولو سريعا :
- لولو ، محسوبك لولو .
لتقول ايمان بحنان :
- اتشرفت بمعرفتك يا استاذ لولو .
- لا استاذ ايه بقا ؟ ...
لتقاطعه ايمان قائلة :
- اقولك يا بابا يعنى ؟ ، لو حابب تمام ، انت زى والدى .
ليعم الصمت المكان و تقطع ذلك الصمت رِماز التى انفجرت فى الضحك على ملامح لولو ، لينظر لها بشر ، فتقول بمواساة مزيفة :
- معلش ، بكرة تاخد ست ستها ، اه .. احنا ابننا ميتعايبش ، طول بعرض بارتفاع بكرش ، لا و كمان اقرع ، و لسة صغير كمان ، لسة تامم السبعين من يومين .
لينظر لها لولو بتوعد ، ثم صعد بجانب يونس و قال بصوت عال :
- بما انى المعلم بتاع العزبة ، فمن هنا و رايح هيبقى اسمها جزيرة لولو ، مش عزبة لولو ، و انا اللى حبقى رئيس الجزيرة دى ، حتبقى جمهورية لولو العربية .
نظر له يونس بصدمة و قال :
- طب ما بدل كل دة نطلب انقاذ من اسكندرية و نسيب العزبة و نخلص .
فقال لولو يدعى الذكاء :
- لا يا بابا ، انت عارف الانقاذ حييجى بعد كام يوم ، و بعدين بصراحة كدة انا مش حسيب العزبة .
ثم بدأ بإلقاء خطاب ليدعو الناس للبقاء فى العزبة :
- ايوة ، مش حسيب ارضى اللى اتولدت فيها ، مش حسيب المكان اللى ربينا عيالنا فيه ، المكان اللى شهد على فرحنا و زعلنا ، المكان اللى شهد على افراحنا و موت حبايبنا ، ياما لقينا فى بوكس جاى عشان يلم عيالنا ، بس من النهاردة مفيش بوكس ، مفيش اى حاجة ، مفيش قانون .
ليقاطعه يونس قائلا بفزع :
- لا بص ، سمى الله فى قلبك كدة و متندفعش ، خلاص يا عم مش حنطلع من العزبة بس خلينا نعمل وزارات ، و دستور ، و نعرف حناكل منين و حنشرب منين ، على الاقل يبقى عندنا ٢ جنيه نعمل بيهم اى حاجة ، و عموما يا سيدى انا مستعد ابقى رئيس جمهورية لولو ... حلو كدة ؟ .
ليقول لولو بغضب :
- ماشى ، حنعمل كل اللى قولت عليه ، بس مفيش ريس هنا غيرى .
قال يونس على مضض :
- اللى تشوفه ، انا كنت حعمل اى شغلانة عشان خلاص كدة اتقطع عيشى ، مش حعرف اروح الشغل تانى .
ليقول لولو و هو يمن عليه :
- خلاص متزعلش ، حنخليك انت اللى تعمل اى حاجة فيها قراية و كتابة ، مفيش غيرك متعلم فى العزبة ...
ثم اشار لايمان و هو يقول :
- انت ياض يا سامر ، روح فرج المزمازيل عالعزبة .
ليقول لولو و هو يدعى الفهم :
- الواد سامر عارف العزبة حتة حتة ، حنخليه وزير السياح .. هو فيه حاجة اسمها كدة صح ؟ .
- اه فيه ، بس اسمها وزارة السياحة ، مش السياح ، و بعدين انت ازاى حتعين سامر بمنتهى السهولة كدة ؟ ، دة انت لو حتأمنه ينقل كوباية شاى كنت فكرت اكتر من كدة .
- و الله العزبة عزبتى و الجمهورية جمهوريتى ، اعمل اللى انا عايزه .
ليقول يونس فى نفسه :
- شكلنا داخلين على ايام زى قرعتك .
.....................................................
كانت منة تسير فى العزبة لا تعرف وجهتها ، هى وحدها دائما ، حتى انها واجهت هذه الكارثة الطبيعية بمفردها ، بعد وفاة والديها اصبحت وحيدة تماما ، بلا اخوة ، بلا اعمام او اخوال ، بلا خالات او عمات ، اى انها بلا احد تماما ...
لا يهون عليها وحدتها سوى صديقتها ولاء ، و احد آخر ...
قطع حبل افكارها صوت هى تعرفه جيدا ينادى عليها بلهفة و خوف ، التفتت و قد تعرفت على صاحب الصوت و ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها ، بينما هذا الشخص توقف و هو يلهث من كثرة الجرى و القلق ، قال لها بتوتر :
- منة ... انت كويسة ؟ ، انت بخير ؟ ، فيه حاجة وجعاكى ؟ .
قالت منة بحب صادق :
- انا كويسة يا آدم الحمد لله ، متخافش كدة هى حاجات بسيطة بس .
لينظر لها آدم و قد اطمأن قلبه اخيرا :
- يعنى انت كويسة ؟ .
- الحمد لله .
ابتسم لها آدم و قال بحماس :
- طب غمضى عينك .
نظرت له منة بعدم فهم و اغمضت عينيها ، اخذ ادم يبحث عن شئ معين فى جيبه حتى وجده ، ابتسم و هو يرى هذا الخاتم الذى اشتراه لها براتبه كله تقريبا ، هو ليس ذهبا حقيقيا لكن هذا ما قدر على شراءه ، نظر لها بعشق و قال :
- فتحى عنيكى .
فتحت منة عينيها فوقعت عينها على الخاتم ، ابتسمت بعدم تصديق ثم قالت بتقطع :
- انت ... انت .. انت منستش .
نظر لها آدم بحنان و قال :
- كل سنة و انت معايا .
نظرت له منة بعشق و هى لا تصدق ان الله عوضها بمن يقدرها و يحبها كما تحبه ، لقد تمت خطبتهم من سنة واحدة ، شعرت فيها انها ملكة ...
قالت منة بحب :
- انا بجد من عارفة اقولك ايه ... انت افتكرت و كمان حوشت و جبت هدية ! ، انا عملت ايه حلو فى حياتى عشان ربنا يرزقنى بيك .
رد عليها آدم قائلا :
- انت منة الله ، يعنى هدية من ربنا ليا ، مش من حقى انى اجيب هدية لهديتى ؟ .
التقطت منة الخاتم بفرحة و ارتدته و قالت :
- انا بحبك اوي اوي بجد .
- و انا بعشقك يا قلبى .

.....................................................

نظر يونس لأخواته قائلا :
- عايز الشقة دى تتفور ، عايزها تبقى بتلمع كدة .
نظرت له الفتيات بتذمر ، قال يونس متعجبا منهن :
- لا بقولك ايه منك ليها .. مش دة اصلا واجبكم ؟ .
نظرت له رفيدة بتذمر و قالت :
- يا شيخ بطل عنصرية بقى ، ما تنضف انت .
نظر لها يونس بصدمة و اخذ يجرى خلفها و هى تصرخ ، ضحك الجميع عليهم بشدة ...
قطع كل هذا طرقا على الباب ، تعجب الجميع من هذا ، ذهب يونس و فتح الباب فوجده المعلم لولو ، رحب يونس به و دعاه للجلوس ، بعد ان جلس لولو و شرب قهوته ابتسم قائلا ليونس :
- من غير لف و دوران ، انا راجل بحب ادخل فى الموضوع على طول ...
نظر له يونس بترقب ليقول لولو بعد ان اخذ نفسا طويلا :
- انا دخلت البيت من بابه و بقولك ، على سنة الله و رسوله انا طالب ايد واحدة من اخواتك ، مش مهم تدينى اى واحدة فيهم ... المهم اناسبك ، ها .. قولت ايه ؟ .

.....................................................

متنسوش الفوت و توقعاتكم فى الكومنتات 💜
الى اللقاء القريب 💙📝
#منة_الله_عمرو_ابو_زيد
#عزبة_لولو

عزبة لولوWhere stories live. Discover now