الفصل الثامن ♡

3.9K 98 39
                                    

الفصل الثامن ♡
-"مُقيّد بِسلاسل عِشقك".

تحركت يد "حسن" يُمسك بيد حبيبته "رؤى" بملامح مهمومة، هامسًا بأسف:
-«متزعليش من تصرفات بابا يا رؤى، ومتقلقيش مِن موضوع يارا دا، لإني لحد دلوقتي مسيطر عليه».
مسحت "رؤى" دموعها المنسابة على وجهها في قلة حيلة، وذلك الموقف السخيف الذي حدث البارحة يُعذبها، ويجرح كرامتها، حيث كانت تتحدث مع "حسن" في الهاتف، وفجأة وجدت والده يسحبه منه ويُلقي على مسامعها كلماتٍ لاذعة، آمرًا إياها بأن تبتعد عن ابنه، وألا تلقي شباكها عليه، لأنه لن يتزوج سوى ابنة عمه "يارا"، غير آبهًا لكونهما صديقتان عزيزتان، وأنها بالأساس تعرفت على "حسن" عن طريقها، و"يارا" هي من عملت على صنع علاقة بينهما؛ ويا ليتها لم تفعل!
لمَ عليها أن تقع في غرام شاب يرغبون أهله بإستماتة في تزويجه من أخرى، لمَ عليها أن تناضل من أجل الحفاظ عليه، ومن أجل نيل رضاء أهله؛ كي لا يحاولون تخريب زيجتهما؟ لمَ لم تدخل في علاقة سهلة خالية من كل هذه الدراما؟
تنهدت في حسرة وهي ترد عليه بحديثٍ جاهدت كي تخرجه:
-«اسمع كلام أهلك يا حسن، واعملهم اللي هما عايزينه، إنت ويارا من صغركم وإنتم مقدر ليكم إنكم تكونوا لبعض، وانا اللي مليش مكان بينكم ودخيلة عليكم!».
شدد من قبضته على يدها، يزجرها بغضبٍ:
-«رؤى، أنا مقدر زعلك كويس، بس قسمًا عظمًا لو الكلام دا خرج منك تاني، إنتِ هتشوفي مني وش مشوفتيهوش قبل كدا، أنا عايزك وبحبِّك إنتِ، ويارا قدامي من ساعة ما اتولدت، لو كنت عايزها كنت هحاول أخليها تحبني، لكن أنا مش شايفها غير أختي! وحتى لو إنتِ بعدتِ عني، أنا مش هعمل اللي أهلي عايزينه، وعمري في حياتي ما هبص ليارا، فبلاش كلامك الأهبل ده!».
سحبت يدها منه، وهدرت فيه بالمقابل في غضبٍ حزين استوطن حروفها:
-«أعمل إيه يعني يا حسن؟ ايه اللي المفروض أعمله قولي؟ المفروض أبقى قاعدة مستنية لحد ما أهلك يحنوا عليا ويتنازلوا ويقبلوا بيا؟ إنت فاكرني إيه؟ أنا إنسانة وعندي كرامة ومستحيل أقبل بحاجة زي دي!».
أمسك ما بين عينيه في تشتت، وضميره يؤنبه على الضغط عليها، في حين أنه يعلم بأحقية حديثها، وحقها في الارتباط بعائلة تقدرها جيدًا، فأمسك بيدها مرة أخرى متأسفًا:
-«أنا آسف يا رؤى، أنا بس أعصابي مشدودة اليومين دول، بس أنا عايزك تعرفي إني عمري ما هتخلى عنك، استحمليني بس الكام شهر دول.. أول ما يارا تتم الـ ٢١ سنة كل حاجة هتتغير!».
لانت ملامحها في شفقةٍ عليه، فخففت حدة نبرة صوتها، ووضعت كفها الآخر على يده الممسكة بيدها:
-«وانا كمان بحبك يا حسن، وعشان بحبك هفضل جنبك مهما حصل!».
أرسل لها ابتسامة ممتنة، وعقله يعمل جاهدًا ليجد حلًا يُخرجه من تلك المعضلة، كي يفوز بمحبوبته..

*************************

كانت "حورية" تسير في شارعها، عندما سمعت صوتًا مُغتاظ يُنادي عليها، فقلبت عيناها في مللٍ، قبل أن تتجه نحو مصدر الصوت، قائلة ببرود:
-«خير يا شجن؟».
أمسكت "شجن" بطرفي حجابها من عند منطقة العنق، وانسدلت بجسدها من نافذة غرفتها الأرضية، قائلة في غيظٍ تشبعت به حروفها:
-«تعاليلي ياللي جايبالي المصايب كلها ومنكدة عليا حياتي، ادخليلي يلا عشان أنا على آخري منك».
تململت "حورية" في وقفتها، وهتفت برفضٍ:
-«قولي عايزة ايه يا شجن على طول، أنا جاية من المدرسة تعبانة ومش فايقالك».
-«بقولك ادخلي!».
هتفت "شجن" بصرامة وإصرار، فتأففت "حورية" في ضيقٍ، قبل أن تذعن لأمرها؛ كي تريح رأسها من إزعاجها، وقبل أن تطرق على الباب وجدته يُفتح بسرعة، و"شجن" الغاضبة تطل عليها من خلفهِ، وعيناها تطلق شرارًا حارقة، ثم سحبتها من يدها وأدخلتها لغرفتها سريعًا حتى لا تستمع والدتها لحديثهما، وما إن دلفتا للداخل، حتى رفعت "شجن" سبابتيها للأعلى نحو السماء هاتفة بعصبية:
-«أشوف فيكِ يوم يا حورية يا بنت عم رمضان على نصايحك اللي مودياني في ستين داهية! وأنا؟ أنا مني للّٰه عشان بسمع كلام عيلة صغيرة زيك!».
زفرت "حورية" في حنقٍ، وهدرت بها بصبرٍ نافذ:
-«ما تنجزي يا شجن وتقولي عايزة ايه؟ بقولك تعبانة وعايزة أروح بيتي أرتاح، فقولي في ايه وخلصي؟».
-«في ايه؟؟ فيه إني سمعت كلامك وسمَّعت عمرو كلام زي السم، وهو يا حبة عيني وشه اصفّر وطار من قدامي من غير ما ينطق ولا كلمة!».
هتفت "شجن" بحرقة يتخللها الندم، فلاح الانتباه على وجه على "حورية" وهي تسألها باهتمام:
-«قولتيله ايه؟».
تنهدت "شجن" بحزنٍ عما فعلته، وبدأت بتكرار حديثها التي ألقته على مسامعه بمنتهى القسوة، وما إن انتهت حتى عادت "حورية" للبرود، حيث رفعت كتفها بلا مبالاة، مشجعة إياها:
-«اللي عملتيه صح، أينعم متأخّر شوية.. بس صح!».
صاحت بها الأخرى بعصبية احتلتها بسبب برودها:
-«هو ايه اللي صح؟؟ بقولك الواد آآ..».
أكملت "حورية" حديثها ببساطة:
-«وشه اصفّر؟ وايه يعني؟ مش قادرة تتحملي إن وشه اصفّر شوية؟ أومال هتعملي ايه لما تشوفيه جثة قدامك جسمه كله مليان علامات زرقا من الحقن اللي بيضربها فيه؟».
بهتت ملامح "شجن" بشكلٍ صريح، وانخفضت دقات قلبها الذي وقع صريعًا من قِبل الرعب، وعقلها يرفض تصوير هذا المشهد لها شفقةً عليها؛ بينما صديقتها لم تشفق عليها، وهي تكمل حديثها بصراحة، تضع أمام عينيها ما ترفض هي الالتفات إليه:
-«القصة دي آخرها سكتين ملهمش تالت.. يا هيموت، يا هتحبس! انتِ بس اللي مش عايزة تقتنعي بده وتبعدي عنه بمزاجك، لحد ما ربنا هيبعده هو عنك بطريقة هتوجعك وهتسيب فيكِ أثر عمر الزمن ما هيقدر يمحيه!».
-«بس يا حورية بس!!».
هتفت "شجن" بتشنُّج، بنبرة فتاة تغرق في أعماق البحار المُخيفة، وتحاول النجاة بنفسها طالبة المساعدة بما تبقى من صوتها، أما يداها فكانت موضوعة على أذنيها تسدها وتحميها من أي أذى يطولها، فتوقفت "حورية" أخيرًا، ولانت ملامحها بشفقة على ما تعيشه صديقتها، وشعرت بالأسف لكونها هي من يجب عليها أن تقسو عليها بتلك الطريقة حتى لا تلقِ بنفسها إلى هوة ساحقة ستدمر روحها وقلبها معًا؛ فهتفت بنبرة حزينة:
-«أنا آسفة يا شجن، بس أنا بعمل كدا عشان خايفة عليكِ، إنتِ عارفة إنك زي أختي بالنسبالي، وانا مقبلش لأختي علاقة هتقضي عليها أكتر ما هتفرحها».
رحلت بعد أن أنهت حديثها، وأحاسيسها مضطربة توترًا لعدم استطاعتها في مواساتها رغم رغبتها في ذلك؛ ولكنها لا تفلح أبدًا في تلك الأمور العاطفية!

مُقيَّد بسلاسل عِشقك | ملك هشام شاهينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن