الفصل العشرون ♡

1.9K 77 78
                                    

الفصل العشرون. ♡
-"مُقيَّد بسلاسِـل عشقك".

الخذلان،
الأمر الأصعب على الإطلاق.. أن تثق تمام الثقة بِمَن حولك.. ويردون إليك تلك الثقة العمياء بخذلانٍ عظيم لم يَكُن في الحسبان.. فيصبح الأمر أشبه بكابوس مُظلِم لا تفسير له.. ولا مُنجي منه سوى الإفاقة منه.. وألف آه لو لم يكن كابوسٌ يزورنا أثناء النوم.. بل ينتظرنا في الواقع الأليم.. حينها لا مَهرب منه.

تعالت صيحة الخذلان في مسامعها، وانتشرت جنودها بجميع جسدها، وتمدد الصمت الموجع في مساحاتِ حنجرتها، وتحجرت الدموع كطبقةٍ من الثلج الجامد خلف بؤبؤيها، وهي تقبض على تلك الورقة التي زلزلت ثبات الأرض التي تقف عليها زلزالًا مُدمِّرًا، تقرأ الاسم مِرارًا وتِكرارًا بعدم تصديق وجنون ارتكز في حدقتيها.

خرج "حمزة" من المرحاض، يُمسك بالمنشفة حول شعره، ويُحركها بسرعة كبيرة كي يُساعد على تجفيفه، وعندما لاحظ وجودها معه بالغرفة، أنزل المنشفة وهم أن يسألها عما تفعله، ليُفاجئ بمظهرها الذي أصدر أمرًا بإيقاف خفقات قلبه، صدمةً من تلك الفاجعة التي حلَّت على سماؤه، خاصةً حين أبصر وتعرَّف على ماهية الورقة التي تمسكها.

رفعت نظراتها المصدومة بوجعٍ تواجهه في استنكارٍ اعتلى ملامحها المُتألِمة، وهمست من بين شهقاتها التي سارعت تخرج من رئتيها بتنافُس، بعدما انكتمت أنفاسها بداخلها دون حتى أن تنتبه:
-«إيه ده!؟».
أسرع يتقدم منها بخطواتٍ كبيرة أكل بها المسافة التي تفصل بينهما، مُتمتمًا في هلعٍ احتل نبرة صوته الرزينة لأول مرة:
-«نجمة استني، أنا هفهمك كل حاجة، أنا واللّٰهِ كنت هقولك!!».
ابتعدت للخلف نفس الخطوات التي تقدمها منه في رفضٍ مقيت، صارخة بإنهيار هستيري:
-«أقف عندك متقربش مني!!!».
هدأت نبرة صوتها درجة واحدة، حين عادت وهتفت بإستنكارٍ رهيب تشبعت به حروفها في إهتياجٍ عنيف:
-«تقولي إيه ها؟؟؟ وجاي تقولي إمتى؟؟؟؟؟؟ بعد ما فضلتوا ضاحكين عليا لعشرين سنة!!! لــيــه مــحــدش قــالــي!!؟ وإزاي بعد السنين دي كلها أكتشف صدفة إنك مش..... أخويا؟؟!!!!!».
همست كلمتها الأخيرة بذهولٍ قاسي، وكأنها لم تستوعب الأمر سوى عندما خرجت الحقيقة كاملة من بين شفتيها، فاندفعت نحو فؤادها المسكين كخناجر مغموسة بسُمٍّ قاتل، تمركز بمنتصف قلبها ناشرًا جذوره بأوردته؛ ليُزيد جنونها وتتقدم منه تضربه بكلِّ قوتها في صدره في غلٍ استوطن ضرباتها، تتلوى بعنفوانٍ شجيّ، تنهار به في جزعٍ:
-«إنـــت مـــش أخــويـــا إزاي!!!!؟؟؟ إزاي قــادر تــكــدب فـــي وشـــي كُـــل يـــوم؟؟ إزاي قـــدرتـــوا تـــخـــبـــو الـــحـــقـــيـــقـــة دي عـــنـــي!!؟».

سيطر عليها بصعوبة لفرط حركتها العنفوانية، وعقله يتجمد في رأسهِ في عجزٍ، وقد كبَّلتهُ الصدمة في غياهب اللا وعي، وكل ما أستطاع فعله هو أن يُهسهس أمام عينيها برجاءٍ:
-«إهــدي عشان خاطري يا نجمة، إهدي وأنا هشرحلك كل حاجة!».
دفعته عنها في عنفٍ، ليتقهقر خلفًا عدة خطوات، وقد ساعدها في ذلك إرتخاء جسده من فعل الصدمة، ثم أشهرت سبابتها في وجهه المدهوش، وتمتمت في سخطٍ مُحترق بإنفعالٍ ناري:
-«مش عايزة أسمع حاجة منك، ولا عايزة أشوف وشك تاني! إنت واحد بعد ما عشت معاه عمري كله اكتشفت إن أنا معرفهوش.. ومش عايزة أعرفه!».
هتفت جملتها الأخيرة مُتكأة على كلِّ حرفٍ في قسوةٍ غبية، وعيون جامدة لا مشاعر بها، بعد أن استنزف الخذلان أحاسيسها المُرهفة، فإنطفأ بريق عيناها المُشِع دومًا، واختفى ضوء الحياة منها، وحل مكانها الظلام القاتم الذي يوحي بولادة فتاة جديدة لا تعرف للثقة معنى، ولا تدرك للحب طريق.. فتاة أولدها الخذلان، ورباها إنعدام الثقة، وعلمها خيبة الأمل!

مُقيَّد بسلاسل عِشقك | ملك هشام شاهينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن