٣- إلى الشاطئ رجاءً

1.2K 88 70
                                    

في المبنى ذاته، حيث يأخذُ الطلابُ خطواتهم سعيًّا للعلم، كان الأخُّ الأصغر مستلقيًّا على سرير غرفة التمريض عاجزًا عن حضور حصصه.

نهضَ ليجلس حيث كان. سحب غطاء السرير رغبةً منه بإلقاءِ نظرةٍ على قدمه. حالها المزري جعله يفكرُ في أخيه الأكبر.

كان يفكرُ بما سيقولُ لهُ حين يرى الضماداتِ تلفُّ ساقه. يعلمُ أنَّ أخوهُ سيفعلُ كلَّ ما في صالحه، لكنه سيتجاهلُ صالحه الشخصي هو. لذلك يسعى نور بِجد ألَّا يرى أخوهُ الأكبرُ تلك الضمادات.

دونَ قولِ أي شيء التفت إلى صديقهِ الذي لم يفارقه جالسًا على طرفِ السرير الخاص بالمرحلةِ المتوسطة. صديقه لم يبرح جانبه وعدم مغادرته بعد هو ما سببَّ التفاتَ صديقه إليه فقد رنَّ الجرس معلنا بدايةَ حصةٍ جديدة بالفعل.

أجابَ صديقه على نظراته المتسائلةِ والقلقة: "نور، لا داعيَّ للقلق، الأستاذُ سيعذِرُك بالتأكيد"

لم يَزُل القلقُ من عينيه حين رد: "كلا ياسين، أنا لا أقصد نفسي، بل أقصدُك. أخاف أن تعاقبَ معي."
قال محاولًا مصارعةَ خوفه بكلِّ عجز فقد اكتساهُ حتى فضحه.

أجابهُ صديقه ياسين: "نور، لا داعي لإخفاءِ الأمرِ علي، يكفيكَ أن تخفيهِ عن الجميع. الآن، أخبرني، بماذا  هدَّدوك؟"

تلكَ الكلماتُ الأخيرة زادتِ النِّزالَ حدة، بل زادت طرفًا ثالثًا على الحلبة ألا وهي الدموع المحتبسة. قال نور مخفيًّا شهقاته المكشوفة: "لقد أخبروني أن أبتعد عن الجميع وإلا سيتَعرضون لما أتعرضُ إليه أيضا"

مدَّ نور يده ليقبضَ ساعد ياسين بخفة. أكملَ كلامه وقد هزمت الدموعُ كلَّ من في الحلبة: "أرجوكَ ياسين ابتعد عني، لا أريدكَ أن تتأذى"

أجابهُ ياسين بأن حوَّطَ ساعدهُ بدوره كما اعتادا ليقول له: "أنت تبكي أمامي الآن، وفي أمسِّ الحاجة إلي وتريدُني أن أذهب وحسب؟ نور، رجاءً أُطلب المعقول"

شدَّ نور على معصمِ صديقه مترجيًّا في حين يمسح دموعه يحاول استحضار بعض التماسك: "ياسين، أرجوك، هذا لمصلحتِك. سأتألمُ إن تَألمتَ أنت"

شدَّ ياسين على قبضتهِ بدورهِ حين نطق: "وكأني لا أتألمُ الآن"

حلَّ الصمتُ لتترُكَ الألسُنُ مجرى الحوار على العيون والتي أوصلَت أفكارًا لا كلمات، مشاعرًا لا حروفًا متراصة.

وأخيرًا تنهد ياسين عاجزًا أمام عيونِ نور المحمرة. أدارَ رأسهُ جانبًا مشيحًا بنظره غيرَ راغبٍ بزيادةِ صعوبةِ اليومِ على صاحبه.

مشَاعِرُ أخيWhere stories live. Discover now