٥٢- مُعرَّضُونَ للخَطَر

449 44 23
                                    

بين الغفلة وبين الوعي
بتُّ المشركَ وبتَّ التقي
بتُّ المقتول ولبثتَ الحي
رفعتُ للسماء للدعاءِ كَفي
وإذ بعنوة، كُبِّلَت يدي!!!
-مظلوم

.
.
.
.
.
.
.
.

"ياااه، يا الله!"
قال نور واقفًا فوق صخرةٍ ما أمام المنارة فاردًا ذراعيه بالهواء كما لو ينتظر من تلك الرياح أن تحمله في رحلةٍ بين الغمام.

استدارَ إلى أبيه ومجد اللذين أقبلا بخطواتٍ هادئة ليسأل: "ما هذا المكانُ الرائعُ يا أبي؟ أشعرُ بأنَّهُ يُخاطبني!"

نظرَ براء إلى مجد تاركًا له مجالًا للحديث غيرَ أنَّ المعنيَّ كان في عالمٍ آخر.

لذا أجاب هو: "هنا يا نوري، وُلِد أخواك، وحيثُ كان أول منزلٍ لعائلتك"

لم تزل البسمة عن شفتيه حين تحدث ذو العيون اللامعة معيدًا نظره إلى أمواج البحر: "هكذا إذًا، هنا إنطوت صفحات الماضي، كما تنطوي الأمواج على تباع"

سُمِعَ صوتُ صفعِ باب السيارة دليلًا على نزول الفرد الأخير منها. عوضًا عن تأمل المكان كما أخويه، اتجه هو نحو المنارة ليدخل إليها عنوة.

"لقد أَعدْتَ بناءها"
قال مجد يعني المنارة التي دمرت أمام عينيه عندما كان طفلًا ذو خمس.

"زوالها ليس خيارهم"

تقدَّمَ براء في خطوه ليقف قرب لامع العينين.

استدار نور ناحيته قبل أن يعيد نظره إلى تلك الأمواج مبتسما.

نظرَ إلى البحر أو نظرَ إلى عينيّ أبيه، الزرقةُ الداكنةُ المتيهةُ والغامضة هي ذاتها.

"أبي، أبإمكاني إخبارك أمرًا ما؟ خاطرةً خايلتي؟"

"أسمعني"

"لا تأخذ كلامي من باب التعالي أو من صيغة الإستعلاء، فلستُ على درايةٍ بتضاريس الحياةِ جميعها ولن أحبَّ يومًا أن أستحدث من ذلك الباب أو بتلك الصغية. كلُّ ما أود قوله هو أنني...أنني ولدتُ أسيرًا أيضًا. حرمتُ من السماء والضياء، وزاد حرماني بفقدان منبع الحنان والعطاء..." زفرَ قبل أن يكمل: "رغمَ كلِّ ذلك، أجدُ ذِكرَ مُصابي دون منالي طمعًا وإجحافًا بكلِّ ما قدِّمَ لي عوضًا عن ما سلبَ مني. لقد نلتُ إخوةً كانوا الحماية وبذلوا لي العناية، نلت حريةً سمحت لي باستنشاق الهواء منعشا وبإبصار الشمس عنوة، نلتُ من الصحبةِ الصفوة، وحتى أنني نلت عائلة مُحبَّة. لذا..."

استدار إلى أبيه وقد حان وقت الغرق في أمواج عينيه مكملا: "لذا يا أبتي...جِدها...جِد تلك النعم والهدايا التي بُذِلَت وقُدِّمت لك ولتكن هي منطلَقك. ليس لدي مرفأ الماضي، ولا منارةُ المستقبل، ولكن بيدي مجداف قارب الحاضر. جدِّف يا أبي رغم عتيِّ الموج، رغم اللَّجج، رغم الأجاج، جدِّف حتى تجدَ مرساك"

مشَاعِرُ أخيWhere stories live. Discover now