قصورٌ من خيال

35 7 0
                                    

كانت قطرات المطر تتسابق على زجاج النَّافذة، وأنا كعادتي أراقبها باستمتاع وأشجع واحدةً منها على الفوز بالسباق، ولكن ما قاطع استمتاعي صوتُ طنينٍ من هاتفي دليلًا على وصول تنبيه من أحد التَّطبيقات، تأففت بينما أفتحه ظنًّا مني أنه إعلانٌ ما، ولكن لمفاجأتي لم يكن كذلك! كانت تغريدةً على التويتر! ولأنني لاڤا عاشقة مواقع التَّاصل كان يجب أن أقوم بتصفح هذه التَّغريدة.

ويا ليتني لم أفعل -النَّدم بعد فوات الأوان- فقد فتحت في عقلي أبوابًا قد لا أستطيع إغلاقها. حيث أنَّ ما قرأته كان تذمرًا من فتَى أعرفه، يشتكي من صديقه الذي لا يتوقف عن القراءة.

فليدعه يقرأ كما يشاء! كانت الحيرة تأكلني والتَّساؤل ينهش عقلي، حتى قررت وضع هدنةٍ مع عقلي والبحث عن أحدٍ ما لأتمكن من إثبات وجهة نظري، وأول ما وقعت عليه عيناي كان زاثورا، إنه إنسان لطيف.

«مساؤك سكر وبهار وكل ما هو لذيذ زاثي.» أرسلتُ له وتلقائيًّا رُسمتْ ابتسامةٌ كبيرة على شفتي بانتظار ردّه.

«مساء الخير لفلف.» هذا ما كنت أتحدث عنه، أحبّ عندما يناديني بهذا الاسم.

«كيف حالك؟ ما هي أخبارك؟» سألته بينما أمدّ جسدي أستلقي على سريري بطريقةٍ مضحكة، حيث أن رأسي يتدلى من جانب السرير.

«أنا بأفضل حال.»

«تذكرت نقاشنا في ليلة الأمس والذي تركتني أسهر لساعاتٍ بسببه وكنت أفكر بشيء يخصه، ثم قفز أمامي سبب آخر يدفعني لسؤالك، هل يمكنني سؤالك؟» تساءلت مضيفة بضعة رموزًا تعبيريةً لطيفة.

«بالطبع، تفضلي بالسؤال.» كنت أعلم بأنَّه لن يتردد وسيجيب فورًا.

«كنت أفكر بالمزيد مِن الإيجابيات للقراءة ولكن فجأةً استفزتني تغريدة نشرها صديق لي يتذمر فيها مِن حبّ صديقه للقراءة، ما السيء بالقراءة؟! لمَ لا يتركه وشأنه؟» ربما انفعلت قليلًا؛ وذلك لأنني كائن يعشق قراءة كل ما تقع عيناه عليه.

«ربما الموضوع تجاوز حدّه.» ردّه القصير المختصر جعلني أعقد حاجباي باستغراب.

«تجاوز حدّه؟! كيف يمكن لأحدٍ أن يتجاوز حدّه بالقراءة؟ أعني، إنها القراءة! وهي شيء مفيد ولا يوجد فيها تجاوز للحدود.» وها هو وحش القراءة داخلي يظهر ويدافع عنها كأنها أميرته الحسناء.

«بالطبع يوجد تجاوز للحدود في القراءة، فيمكن للشخص أن يصبح منعزلًا عن الآخرين، يعيش في عالم خيالي، لينسى واقعه.» ماذا؟ أنا أسمع هذا لأول مرة في حياتي، أو لنقل أقرأ هذا، بالطبع لن أسمع رسالة.

«ماذا؟! كيف يمكن ذلك؟» حرفيًّا كنت أقرأ سؤالي بصوت مرتفع، أبدو كمجنونٍ يحدّث نفسه.

«القراءة تعزلكِ عن واقعكِ المهشّم وتبني الحواجز بينكِ وبين الناس عوضًا عن مد الجسور، إنها تخلق عالمًا وهميًّا جميلًا في رأسكِ حتى إذا تنعّمتَ به دهستكِ شاحنة الواقع فإذًا أنتَ من المُحبَطين.» إجابته هذه جعلتني أفتح عيناي بصدمة ثم أنقلها إلى كومة الكتب المصفوفة على طاولتي حيث أجلس بالساعات أمام أوراقها.

أخذ وعطاء.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن