Part 1

23.9K 424 34
                                    

لم يكن طفلا عاديا أبدا فهو لم يخرج من رحم والدته باكيا مثل بقية المواليد، بل خرج صامتا يُقلب بصره في الأشياء مدهوشاً كما لو أنه تفاجأ بوجود كوكب آخر، غير الكوكب المظلم الضيق الذي كان يعيش فيه..

وبينما كان الطفل لا يزال ساكناً بين يدي القابلة إذ وقعت عيناه على والدته المستلقية يظهرها فوق الأرض والغارقة في عرقها اللانهائي، فانتفض جسده الصغير اللزج الملكه بدماء الولادة مثل سمكة رينو صغيرة أخرجوها للتو من حوضها المائي...زحفت والدته على مؤخرتها بصعوبة بالغة حتى أسندت ظهرها على حائط الطين القديم، غطت بطرف اللحاف عُري ثدييها الممتلئين بالحليب،ثم رفعت يديها المرتجفتين في الهواء:
–دعيني أراه – قالت جومانا – هل هو بصحة جيدة يا ماريا؟!
– إنه بخير – أجابت القابلة وهي تنحني لتضعه برفق بين يدي أمه وتهمس: أنظري لعينيه إنهما وشبهات عينيكِ كثيراً يا سيدة جومانا

عندما أصبح بين يدي والدته مد أصابعه الصغيرة نحو خصلة نافرة من شعرها الناعم وألقى القبض عليها بقوة لا تتوافر لدى طفل في عمره، وبينما هو يمسك بخصلو شعرها النافرة تلك إذ جعل يتدبر بصمت وخشوع راهب في عينيها البُندقيتي اللون كما لو أنه في تلك اللحظة كان يقرأ فيهما البداية و النهاية...

بعد وقت قصير اقترحت القابلة:
– ما رأيك في أن آخذه لغرفة أخرى ريثما ترتاحين قليلاً؟!
وحينها فقط بكى الطفل بصوت عالٍ كما لو أنه يعترض
– لا بأس دعيه – قالت جومانا ببراءة – أنا لا أشعر بالتعب
– ألن يأتي السيد بحر ليطمئن عليكِ وعلى الطفل؟!
لم تفسح جومانا مجالاّ لذلك السؤال بأن يعكر عليها صفو فرحتها بالقادم الجديد:
– عندما يجد والده فسحة من الوقت سيأتي بالتأكيد
– وهل فكرتِ بالاسم الذي ستطلقينه عليه؟!

في الحقيقة كانت جومانا قد قررت في وقت سابق أن أحداً لم يُسميه غير زوجها؛ لذلك سوف تظل تلطق عليه لقب «الطفل» حتى يعود والده من غيابه ويختار له اسماّ.. لم تبحث بقرارها غير أن القابلة ماريا سألت كما لو أنها استطاعت قراءة ما يدور في عقل سيادتها:
– هل تفكرين بتأجيل تسميته حتى يعود أبوه ويسميه بنفسه؟!
وبنبرة جادة تشي بعد رغبتها في الإجابة قالت: ريما!!
– يا إلهي إن شهورا كثيرة قصد مضت على غياب السيد بحر، ولا أحد يعلم متى قد يعود....
– يبدو أنكِ بذلت مجهوداً طيلة اليوم يا ماريا – قاطعت جومانا ثرثرة القابلة بأدب – والآن قد تأخر الوقت تستطيعين الانصراف لبيتك لأخد قسط من الراحة و سأرسل لك أجرتك في الغد.
أرادت أن تقول بأنها تفضل البقاء للمساعظة، لكن جومانا حدست ذلك فسبقتها بالقول:
– لا تقلقي إذا احتجتك لاحقاً فسأجد من أرسله في طلبك

لملمت القابلة أدوات الولادة التي جلبتها معها، ثم وضعتها في كيس واسع من القماش حملته بلطف فوق كتفها بعد أن أحكمت إغلاقه جيداً، التفتت نحو جومانا وسألت بلطف :
– هل تريدين مني شيئاً آخر قبل الذهاب؟!
وهي تمرر يدها على رأس طفلها الناعم طلبت جومانا منها :
– أريد منكِ إطفاء القناديل، فالنار يجب أن تُطفأ قبل النوم كما تعلمين !!
– معكِ حق – قالت ذلك ثم ذهبت لتنفيذ ما طُلب منها.

لم يستغرق الأمر كثيراً من الوقت حتى كانت ماريا قد أطفئت جميع النيران المنبعثة من القناديل المتآكلة المعلقة على حيطان المنزل فأصبح البيت مظلماً باستثناء إضاءة خافتة كانت تنبعث بهدوء من نافذة الغرفة التي تجلس فيها جومانا مع ابنها.. ولما لم يعد هناك شيء آخر لتفعله القابلة فإنها اتجهت نحو باب الفناء استعداداً للمغادرة، ولكنها ما أن فتحت الباب حتى خفق قلبها بقوة وسقط من يدها كيس القماش الذي كانت تحمله فوق كتفها، اتسعت عيناها بسبب المفاجأة... لقد شاهدت خلف الباب شيئاً لم تتوقعه أبداً .....

نهاية الفصل الاول اتمنى منكم فوت وتعليق لكتابة الفصل الثاني..

في أمان الله

ابابيل Where stories live. Discover now