| 6 | شِفاءُ الرّوحِ - فصلٌ إضافيّ

44 2 1
                                    

أجري بلهفةٍ في الطريقِ المُؤدي للمشفى، ونسيمُ الهواء المُعبق برائحة الأشجار يُلحفني من كلّ جانبٍ، لقد أحضرتُ للوكي كعكتهُ المُفضّلة، مع بعض الفطائر المُحلّاة من صنعي.

السعادةُ تحتلّ وِجداني، والراحةُ تستوطنُ كياني، ففارسي الأسود بخير، وهو ينتظرني الآن.
دلفتُ المشفى وسارعتُ في الذهاب للمصعد، تأملتُ شكلي في المرآة وعدّلتُ بعضا من خصلاتي بندقية اللون، جالَت عيناي على ملابسي، معطفٌ طويلٌ بني اللونِ تحته كنزةٌ بيضاء، وبنطالٌ أبيض مع حذاءٍ بني، أليس هذا رائعا!

وصلتُ للطابق الرابع فتوجهتُ مباشرةً للغرفة التي حفظتها عن ظهر قلب، الغرفة التي أمضيتُ شهورًا في دخولها، والتي قضيتُ فيها أياما برفقتهِ.
فتحتُ الباب مُستعدةً لمفاجأتهِ، إلا أنني أنا من تفاجأتُ برؤية الغرفة فارغة.
تسمّرتُ في مكاني، أين من الممكن أن يكون، ارتجفت يداي وأنا افكر في جميع الإحتمالات المُمكنة، لا أريد فقدانهُ مجددا.
تسلّلت إلى مسامعي أصوات ضحك أطفالٍ من الخارج، مع صوتٍ رقيقٍ لمعزوفةٍ مألوفةٍ إنسابتْ إلى مسامعي بسلالة، إنها أحد مؤلفات لوكاس.

لم أنتظر ثانية أخرى، هرعتُ عائدةً أدراجي إلى المصعد، إنه في الخارج مع الأطفال.
لفحني الهواء المُنعش حالما خرجت، أخذتُ نفسا عميقا وأسرعتُ لمصدرِ الصوت.
حديقةٌ واسعةٌ خضراء تُعانقها الورود من كلّ الجهات، ومقاعدٌ مُتوزّعةٌ في الأرجاء، ثنائياتٌ وعائلاتٌ ومُمرضونَ موجودون هنا، يُضفونَ جوّا من الدفئ والحميمية.
جالَتْ عينايَ في الأرجاءِ حتى لمحتهُ، بشعرهِ الأسود الناعم وبشرتهِ الشاحبة، يجلسُ أمامَ مجموعةٍ لطيفةٍ من الأطفال المُنسجمينَ في عزفهِ، لا ألومهم.

ارتسمتْ ابتسامةٌ دافئةٌ على محياي، تزامُنا مع تقدّمي ببطئٍ بإتجاههم، كُلّما اقتربتُ أكثر، ازدادت نبضات قلبي عُلوّا، ومشاعرٌ دافئةٌ ملأت صدري تُغنيني عن أيّ شيءٍ آخر.

"مرحبا" همستُ وأنا أجلسُ إلى جانبه، فنظرَ لي بذهبيّتيهِ البرّاقتين، ارتفعت أطراف شفتيهِ مُشكّلةً ابتسامةً رقيقةً أسقطتْ كلّ دفاعاتي، لم أستطع التحمل فبعثرتُ شعرهُ براحةِ يدي مع إطلاق ضحكاتٍ خافتة، فقامَ الأطفال بالضحكِ والنظر لي بإعجاب.
اقتربت مني فتاةٌ صغيرةٌ بضفيرتين سائلةً إياي: "هل أنتِ صديقةُ لولو؟" رمشتُ بعدم استيعاب، ثمّ انفجرتُ ضاحكةً بعدما فهمتُ مقصدها، هل قالت لولو؟
"نعم أنا صديقة لولو، وأنتِ؟" سألتُها بلطف، فأومأت لي بحماس، "نحن جميعا أصدقاء الشاب العازف! إنه رائع" نظرتُ للوكاس بفخرٍ، ورأيتُ ابتسامةً كبيرةً ترتسم على وجههِ إثر حديث الصغيرة.
"أنتم الرائعين يا رفاق، ما رأيكم أن اعزف لكم شيئا رائعا وتقوم هذه الجميلةُ بالغناء؟" سألهم بحماسٍ مُشيرا علي في نهاية كلامهِ، فصرخوا موافقين.

"لوكاس! أنا لم أغني منذ زمن" نبستُ بجانبِ أذنه مُحرجةً، فهمسَ لي بالمُقابل: "صوتكِ سيظلُّ جميلا حتى لو صمتِّ لسنوات" يا الهي! هذا الفتى.
احمرّ وجهي تزامنا مع إطلاقي لزفيرٍ مُحرَجٍ، حسنا إذا.

بدأت أناملهُ بتحريك أوتار القيثارة بإنسياب، إنه يعزف أغنيتنا المُفضلة، ابتسمتُ وبدأتُ أغني بإندماج:
"أتمنى أن تقوم النجوم بإضاءة الطريق
لأنه بنظري يبدو بعيدا جدا
وعندما يذهبُ الضوء
سوف أقوم بإمساككِ قريبا جدا
دائما وأبدًا يا حلوتي الصغيرة"

انضمّ لوكاس لي وبدأ بالغناء بسعادة:
"الآن ونحنُ نرقصُ تحت النجوم
عِديني بأنكِ ستُعطينَ قلبكِ فرصة
لأنه عندما يذهبُ الضوء
سوف أقوم بإمساككِ قريبا جدا
دائما وأبدًا يا حلوتي الصغيرة"

انتهينا من الغناء ونحنُ ننظرُ لبعضنا بسعادة، العيونُ تفيضُ بمشاعرَ دافئة، والإبتسامات مُرتسمة على الوجوه، والأيادي تسلّلت لتعانقَ بعضها.
"هل أنتما مُتزوّجين؟" سألتنا ذات الفتاة الصغيرة، فالتفتُّ إليها مصدومةً بأعينٍ شاخصة: "يا الهي ماذا!" أما لوكاس فاكتفى بالضحكِ بعلوّ، ثمّ بحركةٍ مُفاجئةٍ قام بلفّ يدهِ حولَ عنقي وقرّبني إليه قائلا: "نحن لسنا كذلك، ولكننا سنُصبح كذلك، أليس كذلك، يا- زوجتي المُستقبلية" قام بهمسِ الكلماتِ الأخيرة في أذني ببطئ، فأوشكتُ على التبخر من الإحراج، ضربتُ كتفه طالبةً منه التوقف فنحن أمام الأطفال، فاكتفى بالضحك.

جاءت ممرضةٌ يافعةٌ وأخذت الأطفال إلى غرفهم بعدما شكرتنا على اللعب معهم، وبقينا لوحدنا.
"إذا..." قالها ببطئ، نظرتُ له، تواصلتْ الأعين، نقطة التقاء أشعة الشمس الذهبية مع الغابة الخضراء، ابتسمتُ وأنا اتأمله، "لقد أحضرتُ لكَ حلوى!"
فابتسم ابتسامةً مُشرقةً تزامنا مع سقوط أشعة الشمس على وجهه، لقد التقت الشمسُ بنظيرها.

"أتعلمين... أنا أحبكِ جدا"
"وأنا أحبكَ أيضا"

♡♡♡♡♡♡

"إنّ الذي أحيا الحياةَ بلطفهِ، سيُعيدُ للقلبِ الحزينِ رِضاه، ستتبدّدُ الأوجاع آن مصيرُها
وسيُشرقُ الفجرُ الذي سناهُ"

فَراشَتِي | 𝓂𝓎 𝒷𝓊𝓉𝓉ℯ𝓇𝒻𝓁𝓎Where stories live. Discover now