مقلب عنيف

266 46 107
                                    

تدحرجت ساعة المنبّه على الأرض بعد أن ارتطمت يد ما بها، لتحدث صوتًا مزعجًا أكثر من رنينها قبل أن تصمت إلى الأبد. الهدوء الذي عمّ المكان فجأة أثار ذُعر ذلك النّائم والذي أدرك فعلته بعد أن أخرس ساعته المسكينة.

«هل هذا الوقت المناسب لشراء ساعة جديدة؟» تذمر مستنكرًا بينما يبعثر شعره أكثر ممّا هو مبعثر، وينهض عن سريره بينما يرتطم بأشيائه كعادته عند الاستيقاظ، فتجد بطانيته مستلقية على الأرض ترتاح من تعب العراك طوال الليل، بينما وسادته قد انحدرت عن السرير لتقف بجانبه مستندة عليه.

الفوضى من حوله ذكّرته بأن النرد خاصته قد كان ينام بجانبه الليلة الماضية، ليبدأ بالبحث بين أكوام الأشياء التي تسبب في انتشارها بأماكن متفرقة من الأرضية. تارة يرفع الوسادة، وتارة أخرى يعدل البطانية؛ حتى انتهى به الأمر يرتب الغرفة على الرغم من نعاسه الشّديد. وفي نهاية الأمر وجد النرد مستقرًا في المكان الذي كانت في السابق تشغله ساعة المنبه التي أضحت أشلاءً مبعثرة.

وبما أن صباحه قد أُفسد تمامًا على حدّ قوله بسبب ترتيب غرفته؛ فقد قرر أن ينعم ببعض الدلال ويخرج للإفطار في مطعم خارجي. إلّا أن طلاب المدارس الذين كانوا يشغلون الأجواء في الخارج جعلوا من تلك الفكرة تتبخر؛ لينتهي به المطاف يجلس على كرسيٍ في المطبخ يشرب كوبًا من القهوة ويقلّب النرد بين يديه متأملًا الأرقام واحدًا تلو الآخر.

رمى النرد بشيء من الملل، وأخذ يراقبه وهو يتدحرج على الطاولة ولكنه لم يستقر مكانه بل كانت له خططٌ أخرى، حيث قرر النرد اليوم العبث مع ملهم كما حدث صباحًا؛ فسقط النرد من على الطاولة مجبرًا صاحبه على النزول للأسفل لالتقاطه، وقبل أن يمسكه بيديه وقع نظره على الرقم الذي اختاره النرد هذه المرة.

«خمسة! إنّه رقم حظّي، هذا رائع للغاية. لنرى أيّهم تحمل رقم خمسة.» هتف بحماس كان قد افتقده ليومين قضاهما في نحيب على فيلم ملحميّ شاهده على التلفاز، أمسك بالنرد ليرفع رأسه، ولكن ليس طموحاته من ارتطمت بسقف الواقع، وإنما كان رأسه من ارتطم بسقف الطاولة ليطلق شتيمة صغيرة محدّثًا بها الطاولة وكأنها ستفهم شيئًا من حديثه!

علّق عيناه على الكتاب الذي حمل رقم خمسة، وبدأ يطالعه وكأنه يرجو منه الهروب من رف المكتبة والرحيل بعيدًا، يطالبه بعينيه بأن يصنع قدمين لذاته ويرحل قبل أن يبدأ به.

«روميو وجولييت… هل هناك ما هو أسوأ من ذلك؟ رقم خمسة! ذلك لم يعد رقم حظٍ لي! » هتف بينما يلتقط الكتاب المنشود الذي يحكي قصّة حبٍّ ملحمية كما يسميها الأدباء والقراء، بينما كان ملهم يطلق عليها اسم «قصة الحب الهندية»؛ وذلك لما يعتقده من كمية ابتذال كبيرة فيها.

استقر على كرسيه أمام طاولة مكتبه بينما قام بفتح دفتره ليبدأ بتحديد نقاط معيّنة من القصّة.

خلف باب الرداءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن