مواكبة التّـطور

173 37 46
                                    

كان جالسًا القرفصاء يراهن مع نفسه على الكتاب القادم ورقمه، لا ينكر أنّه بات يتخيّل نفسه طبيبًا يعلّق على عنقه سمّاعات يجتسّ به نبض الابتذال في الكتب، فإذا ما وجده مُمرضًا مفسدًا للكتاب؛ لجأ لكتابة وصفة علاجيّة متكاملة من أجل كتاب أفضل وأكثر سلامة.

  نفض عنه أفكاره تلكَ وراح يرمي النّرد، أغمض عينيه لبعض الوقت وعلى شفتيه ابتسامة ترقّب للرّقم، ثمّ فتحهما تدريجيًّا ليدرك أنّ رقمه المختار هذه المرّة كان ستة عشر، اتّسعت ابتسامته فهو لسبب لا يعرفه يحبّ هذا الرّقم، وتوجّه في حماس بعدها إلى مكتبته السّريّة ليطّلع على كتابه المنشود.

  وجد نفسه يحمل رواية من ثلاث مئة كلمة، بعنوان «أصدقائي قنبلة ذرية» لكاتبة( منى سلامة )أو كما تلقّب نفسها «بنوتة أسمرة»، توجّه إلى مقعده وإن كان توجّس خيفة في سريرة نفسه من العنوان الغريب الّذي لم يبدُ له أنّه كعنوان من الأساس.

لا يدري كم من الوقت مرّ عليه وهو يلتهم بنهم صفحاته وعلى يمينه تواجد القلم وصديقته الورقة ليدوّن عليهما ما يراه مناسبًا من ملاحظات، وما إن فرغ حتّى رفع رأسه إلى السّقف في شرود قبل أن يسأل نفسه بصوت مسموع:

-من أين أبدأ يا ترى؟!

وقف وأخذ نفسًا عميقًا يستمدّ به بعض الهدوء والاتزان فأمامه عمل كثير، أحضر مجموعة من الكتب ووضعها خلف روايته المنشودة حتّى يستطيع الحفاظ عليها واقفة، ثمّ باشر يتحدّث معها قائلًا:

-حسنًا أيتها الرّواية العزيزة، أنتِ ضمن الفئة الاجتماعية وإنّ لك من الجمال ما جعلني أكملك في جلسة واحدة، ولكنّ هذا لا ينفي أنّ  بعض الأخطاء تتخلّل صفحتك!

صمتَ لبرهة قبل أن يتابع حديثه:

-وأنا هنا من أجل تصحيح تلك الأخطاء وجعلك رواية أفضل ممّا أنتِ عليه.

احتدّت عيناه فجأة وصاح بها يدفع عن نفسه تهمةً لم يسمعها:

-لستُ مجنونًا فاقدًا لعقله يحدّث رواية، أنا فقط فاعل خير لا أكثر!

تنهّد براحة وكأنه كسب للتّو قضية حياة أو موت، وقرّر أنْ يباشر عمله حالًا.

-حسنًا أوّل ما نتحدّث عنه هو مشكلة العاطفيّة! جديًّا لا تكاد القصص الاجتماعية تخلو من القصص العاطفيّة الّتي تحيد في بعض الأحيان عن القصّة الأساسيّة وتركّز على قصص حبّ بائسة لا تدعم الحبكة أو المغزى حتّى في بعض الأحيان!

نقرَ على الطّاولة بأصابعه وكأنّه يتخلّص بذاك من توتّر لا يعرف سببه، ثمّ تابع قائلًا:

-لابأس بقليل منها في بعض الأحيان، لكنّ المبالغة في ذلك يفقد القصّة رونقها الاجتماعي، فالمجتمع أكبر من أن تقتصر أحداثه على بعض الرّومانسية والخيانة، صحيح أنّ هناك حيزًا لابأس به لمثل هذه الأمور لكنّه ليس الأهمّ أو الأكبر، لذا لا داعي لقرن كل القصص الاجتماعية بالفئة العاطفية، ويكذب على الكتاب من يقول أنّها لن تنجح، فرواية يتيوبيا للعرّاب أشهر أعماله على الإطلاق من هذه الفئة ولم تحتوي على أيٍّ من الرومانسيّة بل قليل من العاطفة بين البطل وأخته كأسرة واحدة.

خلف باب الرداءةOnde as histórias ganham vida. Descobre agora