15

3.5K 53 13
                                    

=100=
.
=المُستشفى =

لهم قُرابة الست ساعات في الإنتظار، وزعت أنظارها على عمها وابوها وأخوها اللي يجي يروح في الممر وزياد اللي متكي عند الجدار  ومتلثم بشماغه، كان يركض اول ما دخل وملامحه كُلها مقلوبة من الفزع، وتهاوش مع الحرس وما سمحو له بالدخول وهو يصرخ عليهم :اخوي اللي داخل! اخوي ما تفهم انت؟! ابعد لا اطرحك هنا!
وكان بيتشابك معهم أكثر لولا تدخل تركي اللي خلاهم يسمحون له يدخل ومن وقتها وهو متلثم بشماغه ولا نطق بحرف وما تلمح منه غير محاجره اللي صارت بلون الدم، إستقرت أنظارها على العسكر اللي مالين المستشفى في كل الممرات واللي واقفين عند غُرفة العمليات، كُل ساعة تمر تشعر إنها واقفة على جمر وهالجمر أحرق روحها ولا عاد فيها حيل لإنتظار أكثر، إلتفت على صوت أبوها :اوديك البيت ترتاحين يا ابوي؟،
هزت رأسها بالنفي وهي تنطق بصوت مُبحوح :مو تعبانه! ،
تقدم نحوها تركي اللي جلس على ركبته وهو يمسك إيدينها :قومي يأمي إنتِ روحي البيت واذا طلعوه الزيارة بتكون ممنوعة يعني ما بتستفيدين شيء! روحي وتعالي بكرة! ،هزت رأسها بالنفي بشدة : اقدر أشوفه بطاقتي معي، قاطعهم خروج الدكتور والطاقم اللي معه اللي ركضو له زياد وأبوه، خلع كمامته وهو يوزع أنظاره عليهم: الحمد لله المريض تعدى مرحلة الخطر الرصاصة كانت قريبة جدا من النخاع الشوكي وكان ممكن يجيه شلل نصفي، لكن الله لطف فيه، بيحتاج لفترة راحة لأنها نزف كثير، وبعد ما يصحى نقدر نحدد مُضاعفات العملية!، بينقلونه للغرفة وبيكون تحت الملاحظة ل ٢٤ ساعة والزيارة ممنوعة هالمُدة!، تعلقت أنظارها فيه وهي تتوجه نحوه :دكتور حُسام! ،ناظرها بذهول :جُمان؟،
هزت رأسها بتأكيد :دكتور عادي أكلمك شوي؟
هز رأسه :تفضلي مكتبي! شوي وأجيك! ،
لف لها تركي :هذا دكتورك؟ ردت بهدوء مصطنع: ايه كنت في مجموعته! ومشت تتوجه لمكتبه برفقة أخوها أما زياد ظل واقف عند الغُرفة هو إنهار كل كونه واظلم كل شيء في عينه من سمع بالخبر، يشعر إن روحه سلبت منه وأبشع شعور كان يحسه دائما من يتعرض سيّاف لشيء أو يصاب بأقل خدش ورغم مرور السنين هو ما إعتاد هالشيء أبداً وفي كل يمره نفس الشعور والفزع والخوف! وهمس بتعب :الله لا يوجعني فيك، الله لا يفجعني فيك يأخوي ويراعاك بعينه اللي ما تنام!،

خرجت من مكتب الدكتور بعدم ما شرح لها وضعه بالتفصيل ، وخبرته إنها بتشوفه وبتلازمه ال ٢٤ ساعة وتتابع مؤشراته الحيوية بنفسها، توجهت للغرفة اللي نقلوه فيها رغم إن العسكر اللي عندها منعوها إلا إن واحد فيهم أبعدهم وهو ينطق :هذي حُرم الفريق خلوها تدخل إبتعدو وهم يتعذرون منها...
=101=
.
دخلت وسرعان ما وصلتها برودة الغرفة اللي لأول مره تشعر إن بردها إخترق عِظامها مو كأنها متعودة على هالمكان وتقضي فيه اغلب وقتها،  توجهت نحو سريره الأبيض واللي كان جسده مستلقي عليه بكُل سكون وسلك المغذي موصول في يده وقناع الأوكسجين على وجهه تقدمت نحوه بخطوات مُتثاقلة لين وقفت عنده!، مرتها رجفة فظيعة من منظره الهادئ قدامها هي اللي ما عرفت عن السكُون والهدوء شيء في حضوره!، في حضوره كُل شي يكون صاخب كل شيء يزيد نبضها وحرارة الجو حولها ! ما إعتادت هالبرود والهدوء منه وفي وجوده ابدا! ،عيونه المغمضة وإلتفاف رموشه الكثيفة حولها كأنهم حُراس عليها!، منظرها المُسالم هذا يرعبها، لأن عيونه في الأصل مو مسالمة ابداً وهي تعرف هالشيء وتوعيه، نظراته اللي كُلها حِدة، نظراته اللي تبعثرها وهي نفسها نظراته اللي إحتضنتها يوم بكت ويوم إرتفعت حرارتها ، وحاجبيه اللي لأول مره ما تلمح عُقدتهم، زمت شفايفها من إتضحت لها آثار الأيام اللي غابها وإرهاقها على ملامحه من الشحوب اللي يعتريه والهالات تحت عيونه، باغتتها دمعه وحيدة تعلقت برمش عينها ومن جت تمسحها حتى رجفت يدها وتبعتها دموع من إستذكارها لرجفة رمشها اللي كانت موطن لقُبلاته مرتين، مرتين قبّل فيها رمشها يسكْن رجفته!، في النهاية هي عندها قدر لا مُتناهي من الإمتنان ومن إهتمامها بالتفاصيل، قدر لا مُتناهي من الحنان الفائِض اللي لو وزع على العالم بيشمل حتى أعدائها، هل بيستثنيه هو؟! أكيد لا، مررت أصابعها على يده اللي فيها سلك المُغذي تتحس عروق يده، ونعومة كفها مُقارنة بقسوة سنينه ودُنياه هو! هي كانت مُتامسكة طول الوقت وطول الساعات اللي قعدت منتظرة فيهم كانت تبين لهم برودها وهي الواقفة على جمر! لكن الآن تنتابها رغبة فظيعة بالبُكاء! ،نزلت طرحتها على أكتافها وهي تأخذ اللوحة وتسجل كل مؤاشراته الحيوية من المونتر اللي قدامها ورجعتها، وهي تجلس بقربه تعرف إنه تحت تأثير المخدر وما بيصحي ولا بيكون على وعي فيها وفي وجودها لكنها بتظل عنده لأنها حتى لو حاولت تروح بتأكلها الهواجيس، هي تعرف نفسها إذا قلقت يأكل القلق كل سكونها وما يبقى منها شيء، مدت يدها تستقر على جبينه اللي صُعقت وإرتعشت من برودته ، وهمست :أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يشفيك شفاء لا يغادر سقماً وبدأت تقرأ عليه أيات تحفظها

في وصفها أبيّات القصائِد طامحة Where stories live. Discover now