19

3.7K 51 3
                                    

=136=
.
وقف بقُرب زيّاد وكبر سعود يبتدئ الصلاة في جوء من السكينة والهدوء وأكتافهم ورجولهم المُتلاصقة، مشهد مُهيب للناظر لهم يبين كثرتهم وعزهم وتكاتفهم، كأنهم بُنيان مرصوص فعلاً، يخشعون وكل واحد في جوفه أحلام ومخاوف وحيرة وأفكار ينثرونها من أكتافهم وقلوبهم في سجودهم لرب أرحم بهم من أُمهاتهم وبيده مفاتيح الكون، إنتهو من صلاتهم وتفرقوا اللي جلس وهو يطلع سبحته واللي يقرأ قرآن واللي راح يكمل نومه وسعود اللي جلس في مكانه وما كان يقوم إلا من يصلي الشروق، حط يده على كتفه يسأله عن حاله ولكنه فز من حس بإنتفاض يده :ولد وشفيك؟؟،
عض شفته من لمس زياد موضع الحرق فيه وهو يزفر :مافيني شيء!، هز زيّاد رأسه بالنفي :تستهبل سيّاف تستهبل؟،
قام من مكانه من شاف إن زياد ما بيتركه وهو اساساً تقروش من التعب والحرق والألم : لو تبي عظامك سليمة لا تلحقني!،
وإبتعد عنه يتوجه للداخل ويصعد بخطوات شبه متسارعه من إشتد الألم عليه فتح باب الغرفة يتوجه للحمام وهو يخلع ثوبه ويرميه و وقف قدام المراية يلمح كتفه والدم اللي بدا يسيل منه وإن مكان الحرق إلتهب بشكل فظيع، فتح الدرج يدور قطن وصار يسوي فيه وهو يألمه بصورة فظيعة، واخر شيء حط من المرهم عليه وهو يتركه وغسل يدينه وهو يطلع وشافها تخلع جلال الصلاة اللي عليها وتجلس على السرير ولفت عليها تطالعه لكنها ما تعيّه، ومن مجرد نظراته لعيونها قدر يعرف إنها متعبة جدا ومرهقة ومافيها حيل لإستيعاب شيء بالرغم من إنها قامت تصلي لأن قلبها مرتبط بالصلاة والفجر تحديداً تصليه دائماً في وقته وتحب وقت الفجر لذلك قامت وصلت لكن ما منها وعي كامل للآن لأي شيء ثاني حولها، وتقدم منها وهو يمرر يده على جبينها وإستقرت على عُنقها ونطق بهدوء : إرجعي نامي.. ما ردت عليه لكنها تناظره فقط بدون حروف بدون اي شيء مسح على جبينه وهو يشوفها رجعت تنسدح على جمبها ومد اللحاف يغطيها وهمست بصوت مبحوح تعلق أنظارها فيه مازال الخوف داخلها قائم :لا تروح!،
هز رأسه بالنفي :ما أروح، يمّك.. نامي..
غمضت عيونها وبالفعل بعد دقائق رجع تنفسها ينتظم بصورة طبيعية هالمرة يدل على إنها نامت، ضغط على عيونه بتعب فظيع وإنسدح على الكنبة القريبة من السرير على جمبه بحيث تكون أنظاره عليها كان نطقها ل "لا تروح" كافي يتركه يظل جمبها طول عمره ولو يفوته العالم كله ما يهتم
.

=قطر=

لها أسبوع عند خالها وما كانت تطلع  من الغرفة ابدا إلا إنها تعيش مرحلة صمت مخيف، ‏مثل اللي سُلِخ جلده بالكامل، إلى حد أن لمسة هواء واحدة صارت تكفي عشان تؤذيها...
=137=
.
للآن ما تجاوزت موقف معرفتها والصدمة اللي صابتها وقتها لما وقفت بلا حراك ورؤيتها تتشوش أمامها، وتشهر إن اللي تسمعه حديد مصهور على سمعها تجزم إنها في ذيك اللحظة سمعت صوت قلبها وهو ينكسر، كان صوت صغير وصافي مثل صوت إنكسار ‏ساق زهرة، تراكم تعبها تراكم بشكل يزيد من صعوبة ترتيبها مره ثانية، تعبها اللي كان قليل ومع تأجيله وتراكم أحداثها صار كثير ومن شدة كثرته ما صارت تعرف تروح تقاسمه مع مين، أو حتى تبدأ فيه من وين، زي الغريق اللي استسلم للغرق بعد ما فقد صوته وأمله وهو يستنجد،
وصارت تمر عليها الأيام وهي تستثقل فيه حتى ردة الفعل، حتى النطق وحتى البُكاء صار ثقيل عليها، تحس إن قلبها إلتهب وقطع من شدة الألم، في بشاعة مُستحيلة في صدرها، ألم مرير في كل خلية من روحها، هي عاشت اليُتم والقهر طول سنينها وأمها حية ترزق، كانت في كل صلاة تدعي بالرحمة لها والحين هي تطلب الرحمة لقلبها، حتى الشفقة تكفيها، تكفيها إن هالحياة تُشفق عليها ولو شوي لأنها على أعتاب الجنون!
إلتفت لطرق الباب اللي دخلت منه جود وهي مرجعة يدينها خلف ظهرها وتميل جسدها بإبتسامة :كيف الحلوة اليوم؟
هزت رأسها تغصب إبتسامتها لها لأنها الوحيدة اللي من جت هالبيت اللي تحسسها إنها تعرفها من سنين ورحبت فيها بشكل حنون ودافئ وكل الوقت تكون عندها تحاول تغير جوها :بخير!،
إبتسمت جود تجلس عندها وهي تضحك بخفة :إحم يعني شوفي زي ما علمتك أمس انا بكون مرشدتك في عائلة آل سيف الممتدة هذي! ويا ويلك ياترفي تحبين أحد أكثر مني! مو انا اول وحدة عرفتيها؟ خلاص تحبيني نفس ما أحبك! ما اسمح لك تحبين أحد كثري! وسكتت لثواني  تردف بضحكة : بس جُمان مسموح تحبينها أكثر أحد غيرها لا! ،
إبتسمت لها بتعب وهي اصلا مو قادرة تتقبل نفسها عشان تتقبل أحد ثاني لكن ما ودها تكسر بخاطر جود وهي من أول ما جات هالبيت تحاول تخلق لها الضحكة :مين جُمان؟،
إبتسمت جود تهز رأسها : جُمان  بنت عمي خالد و وحيدته، هي عزيزة آل سيف كلهم من زمان ومن صغرنا هي أكثر قلب حنون في العالم وأكثر وحدة تشيل هم الكل وتداري وتطبطب، حنونة حنونة مره كأنها فراشة أو وردة أو غيمة ما اعرف بس تعرفين الشخص اللي من يقول لك حرف تحسين ودك تبكين من كثرة ما حروفه حنونه وغير؟ هذي جُمان! ورقيقة تحسين ودك تأكلينها، وفي نفس الوقت هي قوية، قوية حيل  وعاقلة ومُهيبة ومغرورة بنفسها وبكل تفاصيلها ماهو الغرور الشين لا الغرور اللذيذ اللي يهلك القلب!، وأنا موت أحبها، كلنا نحبها مافي احد ما يحب جمان! وتنهدت بحب عظيم! : وحشتني موت!
=138=
.
وأكملت بفجعة :تخيلي بس الحيوانة ملكت على سيّاف؟ وانا ما حضرت وربي ما اخليها !،
إبتسمت لها ترف غصب من إنفعالها : سيّاف؟
هزت رأسها بإيه: هذا الله يسلمك ولد عمي عبد العزيز أكبر واحد في أعمامي وسيّاف أكبر واحد، وهو رتبته فريق شفتي كيف اقولك عن جُمان من شوي؟ هو العكس بكل شيء يمه مخيف ومرعب وكلمة ورد غطاها، لو تشوفينه بس تنخرشين! وربي انا مره كنت طالعة وتصادمت معه قال لي بنت! بغى يغمى عليه وجتني ام الركب! يمه يمه،
إبتسمت ترف من ملامح جود المستحيلة وهي تحكي وأكملت جود رأسها بالنفي :يابنت انا يوم علمتني ليالي أخته كانت الدنيا لليل ونمت وصحيت أحسب إني كنت احلم ما صدقت إلا يوم وروني صور جمان في الملكة، تعرفين الأبيض والأسود؟ هذول جُمان وسيّاف!، مره معليش الجميلة والوحش فرع السعودية! وحكت لها عنهم فرد فرد، لحد ما وصلت عند عمتها مزون وعضت شفايفها تناظر ترف اللي إبتسمت لها بسخرية :تخيلي إنك تبين تحكين لي عن أمي؟ اللي المفروض انا اكثر العارفين فيها! عرفت إنها حية من كم يوم!،
هزت جود رأسها بالنفي ما تعرف تتصرف في هالمواقف وتتمنى لو إن جمان كانت معها الحين، ودمعت عينها :شوفي ما اعرف شعورك! ولا اقدر اقول لك افهمك واحس فيك لاني مو في مكانك فعلاً! بس مثل ما أنتِ تحسين! عمتي مزون تحس أضعافه!! ،ما ردت عليها وهي تشتت نظراتها بصمت، ايش تكون الحروف والكلمات قدام النار اللي بجوفها؟ قدام بريق عينها اللي إنطفى وقدام حياتها اللي إنهدت كلها قدامها في لحظات!، إيش يكون كل شيء قدام عدم الأمان اللي تحس فيه؟ قدام شعور عدم الإنتماء والبرد اللي تحسه يسري في عظامها؟، ‏كل ما مرت بأيامها كانت  تقول لنفسها  بكرة تنتهي هالفترة المُتعبة، تكررها كل ليلة لحد ما أدركت أنها تجاوزت فترات مختلفة من التعب بدون ما تستريح، كلما هربت من فخ تعثرت بفخ ثاني، حتى نسيت أي فترة كانت  تقصدها وكانت تقول عنها بتنتهي؟ أدركت أن الشيء الوحيد الذي انتهى هي طاقتها وروحها وصبرها وبس! ،
وتلحفت وهي تعطي وجهها للجدار ونطق بصوت متحشرج :أبي أنام!، زمت جُود شفايفها وهي تتذكر كيف لما تكون وحده فيهم تصارع حزنها وتقول ابي انام كانت جُمان تحتضنهم من الخلف وتمسح على شعرهم بدون ما تقول كلمة، وبالفعل إحتضنتها من الخلف وهي تمسح على شعرها بهدوء :نامي! ،نوم العوافي يأختي الحلوه،
عضت شفايفها تصارع دموعها اللي تحرق أهدابها ‏أول مره تتلمس حزنها بهذا الشكل الهائل على روحها، لدرجة إنها تحس بحرارة دمعها من جمر الشعور اللي تعيشه في هذي اللحظه ! ودفء وجود جود جمبها الحين وحركتها خلت داخلها ينهار أكثر
=139=
.
توجهت للباب تفتحه بعد ما سمعت الطرق اللي عليه، وإبتسمت بتعب من شافتها ليالي اللي إحتضنتها بقوه :إنتِ بخير؟ كيف صرتي؟،
هزت رأسها وهي تنطق بصوت مبحوح :بخير!،
هزت ليالي رأسها بالنفي :مت خوف جمان مت! لو ما كان سيّاف معك ما كان بعدت عنك دقيقة وربي ما امداني انام من الخوف وبس انتظر الصبح يجي عشان اجيك،
إبتسمت لها بحب : ياعمري بخير أنا شوفيني!،
هزت رأسها بإحراج :شوفي جدي أرسلني لكم لأن كلهم متجمعين تحت وما قدرت اتحجج له بشيء لأن كلهم موجودين مافي إلا انتم! لازم تنزلون! ،
مسحت جُمان على وجهها بتعب : الحين أنزل أنا، بس سيّاف ناي... قاطعها صوته وهو يتقدم يوقف خلفها وشعره مبعثر وكان لابس تيشيرت أسود كت وأكتافه طالعة ويوضح عليه علامات النوم من إحمرار محاجره ونطق بهدوء :وش في؟،
توردت ملامح ليالي بخجل وإحراج فظيع وهي تشتت نظراتها ونطقت بتوتر :جدي قال إنزلو ينتظرونكم تحت!،
هز رأسه بدون رد وهو يرجع للداخل، وإبتسمت جُمان من ملامح ليالي اللي إنقلبت ١٨٠ درجة ونطقت بضحكة:بشويش على نفسك  صرتي طماطم!، عضت ليالي شفتها وهي تهف على وجهها :ياربي ياربي! ،جُمان انا بنزل وبعد خمس دقايق دقي علي شوفيني وصلت ولا لا يمكن اسيح على الدرج!،
ضحكت بتعب ونزلت ليالي تبتسم لها، رجعت للداخل وهي تلمحه يطلع ثوب أسود من الدولاب ونطقت تتوجه له : كمل نوم مو لازم تنزل!، هز رأسه بالنفي وما رد عليها، زمت شفايفها هي من أول ما صحيت و وعت على نفسها شافته نايم على الكنبة وإقتربت منه تصحيه ينام على السرير لأن نومة الكنبة مو مريحة وظهره ما زال ما تعافى بالكامل وإنتبهت للحرق اللي في كتفه، وتذكر كيف إنه صحى يطالعها، وكيف تجمعت دموعها من إكتشفت إن الحرق بسببها وطلبت منه تشوفه لكنه رفض، نطقت وهي تتنهد :سيّاف! ما ينفع تلبس الثوب عليه ومو لازم تنزل أصلاً ! ،
توجه للمرايه وهو ينزع الشاش بهدوء ويناظره ميل شفايفه وهو يشوف إن الحرق ما زال طري ومحُمر، وقبل يلتف كانت وراه وفي يدها مرهم وشاش :اجلس! ناظرها لثواني وجلس وهو يوزع أنظاره قدامه، حطت عليه المرهم وثبتت الشاش على كل مكان الحرق بحيث أنه إذا لبس ثوبه ما يحتك فيه ويلتهب أكثر، وإبتعدت عنه من خلصت تتوجه لغرفة الملابس تبدل ملابسها وإكتفت ببنطلون اسود وبلوزة بيضاء أكمامها طويلة وأخذت جلالها وهي تخرج وتشوفه يعدل شماغه ميلت شفايفها هي حركة عادية لكنها ما تدري ليه حست بشعور مُستحيل داخلها وهي تشوفه ، إلتف عليها :خلصتي؟ هزت رأسها بهدوء تعدل جلالها وتتقدمه في الخروج
=140=
.
كانت تمشي بالقُرب منه لحد ما وصلو الجلسات كانت ثلاث جلسات وحدة للبنات و وحدة للعيال واللي في النص كانو جالسين فيها نورة وسعود وكان معهم تركي والعمة مزون وحصة، توجهو يسلمون عليهم وجلس يمين جده وجلست بقربه بعد إحراج جدها لها وهو يقول:اجلسي جمب زوجك يا بنتي هذا يوم تلقينه موجود عيد!، ولمحت إبتسامه الجانبية اللي بالكاد ظهرت وهو يمسح على شنبه من توردت ملامحها هي قدام أخوها وعمتها اللي إبتسمو بالمثل وعضت شفايفها من إستقرت يده خلفها على آخر ظهرها تهمس له بغضب:سيّاف!!!!، ناظرها يركز عيونه عليها وشتت أنظارها من نظراته الحارقة لها، رجع أنظاره لجده يعجبه إرتباكها اللي نادر ما يظهر هذا وخجلها اللي تغطيه قُوتها يعجبه وكثير مو شوي! ،
ونطق سعود :إيه كيف حالك يالسروق!،
رفع تركي حواجبه بضحكة:السروق؟،
ردت نورة بضحكة: سارق جُمانه!،
هز سعود رأسه بإيه يوجه أنظاره لتركي :‏درةٍ ماهيب لـ العالم المستريحة، وش تتوقّع شعور السارق اللي سرقها؟،
ضحك تركي وإبتسم هو بالمثل داخله، :هو أعلم بالخفى وأدرى بالشعور بس كنه ما درى ياسعود! ضحك سعود وهو يركز أنظاره عليهم يشوف أفعال حفيده اللي تظهر في ملامح جُمان ويشوف يده الثانية اللي فيها مسبحته،
نطقت حصة بتذمر: أمس شب حريق في الاسطبل اللي فيه خيلك! ما أشوفك ركضت له ولا شفته ولا جيت صوبه تفقده ، وين حُبك له؟ وهذاك هو ثاير جنونه ما يبي يكون مع باقي الخيول!،
زمت هي شفايفها وإرتعشت للحظة من تذكرته وتذكرت الرعب اللي عاشته بسببه، هي ما تخاف من الخيل لكن وجوده وهي ما كانت تدري فيه وثورانه وجموحه في هذاك الوقت والحريق كل شيء صار مع بعض بشكل أرعبها فعلاً!، و إستوعبت الحين إنه هالخيل خيله!، ما خفيت عليه الرجفة اللي مرتها تترك أعصابه ترجع تنشد مره ثانية! ونطق بهدوء : ما يجيه شيء دامه الجارح!،
ميلت حصة شفايفها بعدم إعجاب،
وتوجه لعندهم رعد اللي نطق :سيّاف العمال يقولون تعال تفاهم مع الجارح بيكسر باب الأسطبل!، وجلس بقرب جُمان يقبل رأسها ويمسك يدها :كيفها اختي الحلوة اللي وحشتني وما عاد تسأل علي والله يسامح اللي كان السبب، ضحكة بخفة تبعثر شعره بإيدها وتلف عليه :وحشتني موت! ،هز رعد رأسه بإيه : باين الشوق يا حبيبت.. وقطع كلمته من نظرات سيّاف عليه اللي تركته يمثل الخوف يوجه كلامه لها :هذا شفيه يطالعني كذا! لا يكون زوجناك اكل لحوم بشر ونحن ما ندري؟، يمه بسم الله علي أختي!  لا تخافين انا بنقذك منه!
ضحكت، ضحكت بصورة خلتهم كلهم يبتسمون لضحكتها وحتى هو يبتسم داخله من ضحكتها اللي طلعت بهذا الشكل بعد كل اللي عاشته أمس..

في وصفها أبيّات القصائِد طامحة Kde žijí příběhy. Začni objevovat