الشيطان الذي لا يقهر

172 11 3
                                    

نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى
ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى
وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ

_أبو تمام_

"أنت تصلين؟"
التفتت على صوته الهادئ وهزت رأها هزة قوية أتبعتها بنهوضها عن فرشها وأجابت "حسنا...الصلاة ليست اختيارا...قبل أن أعود للصلاة كنت أشعر أنني في بالوعة لا أخرج منها أبدا"

اقترب متمهلا و يديه في جيوب سرواله و استفسر بنبرة مستمتعة "و الآن؟"

هتفت بابتسامة وأشارت بكفها "أخرج منها خمس مرات في اليوم"
لم يغب عنه ذلك الشعور المنبعث منها كأنها قد اغتسلت للتو من وسخ البغاء و الشهوات.....كما لو كانت قد منحته بعضا منه فسارت تلك النفحة الناعمة عبر صدره..وحملته على التنهد بصورة غريبة مخرجا القليل من مشاعره السوداوية في زفرة واحدة.

تساءلت بحذر بينما عيناها تراقبان تعابيره و حركاته "هلا أخبرتني سيد عادل عن سبب دفعك لديوني...و شراءك حريتي بكل ذلك القدر من المال إن كنت لا ترغب في....أنت تعلم ما أعنيه...."
ظهر الإحراج الشديد على وجهها و زاغ بصرها بعدما كان ثابتا للحظات ثم عادت نظراتها ترتكز على وجهه في انتظار إجابته...
مرر أنامله على بشرتها الباردة و طالعها كأنها حبيبته المفقودة التي قطع لأجلها البحار و الوديان....تبسم بخفة، لكن ابتسامته كانت لطيفة و شفافة على غير العادة......قال بعدها بنبرة تكاد تصير همسا "لقد اشتريت حريتكِ لأراكِ حرة كطائر طليق يحلق في كل مكان....لكنني...خشيت لو أنني تركتكِ في تلك الحياة المتسخة بعفن الناس أمثالي تضيعين مجددا في الغد.....مثلما ضللتِ طريقكِ بالأمس"

أبعدت وجهها بخفة عن يده وأفتر ثغرها عن بسمة رقيقة بينما تطوي فرش صلاتها....حاولت عدم الالتقاء معه بالعينين كيلا تقع في حرج الاعتراف بتجنبها التلامس الجسدي معه للتو!!
كانت قبل توبتها قد تتقبل أمورا كتلك خصوصا بسبب البيئة و الوسط الذي نشأت فيه لكن في تلك الحالة عليها تغيير الكثير من الأمور....تجتاحها رغبة عارمة في شكر ربها على ما تشعر به الآن و ما يقدمه لها من فرص لا مثيل لها لتعيش حياة جيدة مستقيمة، لا يمكنها أبدا تجاهل تلك الهبات العظيمة و العودة لحياتها السابقة المستهترة!

دس كلتا يديه في جيوب سرواله و لم يبدُ عليه الشعور بالخجل أو الضيق، بل أنها قد لاحظت شبحا خفيا لضحكة على محياه لم تكد تراها جيدا!

"إذا..هل ستجلسين معي بذلك الرداء المحتشم و الحجاب إلى الأبد؟"
قال و ترنح بجذعه أمامها متلاعبا برؤية ارتباكها في الرد عليه و خوفها المنكر منه...
لم يكن من قبل رجلا ساديا يهوى تعذيب الأشخاص الأبرياء...لكن اختلاجاتها تمنحه نشوة مريبة!

"إذا لم تمانع سيدي"
كانت نبرتها خافتة و نظراتها تأبى التعامد على عينيه...و كان يدري أنها تكذب....لا يظهر له منها ما يشعره أنها ستمتثل لأمره إن طالبها بالتعري لأجله... عيونها تشتعل بالفكرة التي تؤمن بها و لا فكاك من ذلك..
لعله فقد هيبته أمام الآخرين أو أنها لا تخشاه لأن لديها داعم نفسي أشد قوة منه و أكثر قدرة.

الزهور الجنائزية || Funeral flowersWhere stories live. Discover now