6 / الكوخ

3.3K 188 97
                                    

بعد أن رحل الإثنان من خارج القرية وسط زخات المطر وصوت الرعد وضوء البرق الذي ينير لهم الطريق متجهين ناحية الغابة المشؤومة.

كان (جمرود) يسير أمام (وَهج) التي كانت بالخلف ترتعش من شدة البرودة لكنها لم تنطق بحرف واحد وظلت تسير خلفه معتقده بأنها لو تحدثت واشتكت قد يراها ضعيفة ولاتقدر على الإنتقام من قاتل جدتها بينما أدرك (جمرود) ما تفكر به بسبب صمتها رغم انه كان ينظر أمامه ولم يلتفت خلفه، ليتوقف بعدها فجأة ويحني ظهره قائل :

" اصعدي على ظهري "

تعجبت (وَهج) من فعلته لكنها فعلت ما طلبه وصعدت على ظهره لتطوق عنقه بأذرعها الهزيلة وليمسك (جمرود) بقدميها ليتأكد من عدم سقوطها قائل :

" تشبثي بي جيدًا "

وفجأة إذا به يمشي بسرعة خارقة ولشدة تلك السرعة تفاجأت (وَهج) وبدأت تتشبث به بقوة مغمضة عيناها، لكن بسبب شعورها اللاذع الذي احست به بسبب الارتطام القوي للرياح وزخات المطر على وجهها فكانت تضع رأسها على كتف (جمرود) جاعلة منه درع وبعد أقل من ربع ساعة قال لها بعد أن توقف :

" لقد وصلنا.. افتحي عيناك الأن "

فتحت (وَهج) عيناها ورفعت رأسها لترى أنهم يقفون أمام كوخ صغير من الواضح بأنه كان أشبه بكوخ للصيادين الذين يتجولون داخل الغابة لاصطياد فرائسهم وعندما يبدأ الظلام في الدخول ويصبح الوضع خطيرًا فأنهم يلجؤون إلى تلك الاكواخ التي تقبع داخل الغابة حتى يحل الفجر عليهم.

ظلت (وَهج) ساكنه حيث تقف تحدق في الكوخ الذي يخرج من داخله ضوء السراج بعد نزولها من على ظهر (جمرود) الذي كان يتقدم إلى الكوخ حتى وقف أمام الباب ليبدأ بطرق الباب طرقتان ثم يتوقف لثانية ثم يكمل الطرق بثلاث طرقات أخرى ويتوقف ثانية أخرى ثم يطرق طرقه واحده ويتوقف محدقًا في الباب.

وفي أقل من دقيقة فُتح الباب لتظهر طفلة ذات بشرة داكنة ترتدي ملابس بالية، رغم أنها هزيلة لدرجة الاعتقاد أن عمرها لايتجاوز ال8 أعوام إلا أنها لا تقل عمرًا عن (وَهج) وهي أكبر منها ب3 أعوام.

تقدمت (الفتاة) وعانقت (جمرود) بإبتسامة خلابة تظهر فيها أسنانها البيضاء معبرة عن سعادتها الشديدة لرؤيته، ليكتفي (جمرود) بالتربيت على رأسها بإبتسامة خفيفه ويقول لها :

" هل أحسنتي التصرف في غيابي؟ "

اومأت (الفتاة) رأسها بنعم ليبتسم (جمرود) ويفصل العناق ويلتف للخلف قائل موجهًا كلامه ل(وَهج) التي كانت تقف على حالها ترتعش لبرودة الطقس وتحدق بهم :

" إلى متى ستظلين واقفة عندك .. تعالي للداخل "

تقدمت (وَهج) إلى الأمام متجهه للكوخ بينما تفاجأت (الفتاة) لتحدق من خلف (جمرود) وتشاهد فتاة ترتدي فستان نوم أبيض يصل إلى ركبتاها ذات عينان زرقاء عميقة مثل عمق البحر وتلمع وكأن هناك بعض القناديل المضيئة وضعت في بحر عيناها.

.

دخل الجميع لداخل الكوخ ليجلسوا حول النار التي اشعلها (جمرود) ، كانت (الفتاة) خجولة وتلقي بين بعض النظرات الخاطفة على (وَهج) وتتشبث بذراع (جمرود) الذي كان ممسك بيده الأخرى جذع يحرك به النار بينما كانت (وَهج) مرهقة جالسة محتضنه جسدها تسرح في اللهب الذي يتراقص في الهواء.

دام الصمت لبعض دقائق حتى قال (جمرود) محاول كسر الصمت موجهًا كلامه ل(وَهج) :

" لاشيء يدوم وكلنا راحلون "

انقطع سرحان (وَهج) ونظرت نظرة خاطفة إلى (جمرود) الذي لازال يقلب بالجذع في النار وعيناه لاتغادر الجذع قائل :

" قد يباغتنا الموت بأخذ أحبابنا فجأة وحينها سنكون في حزن شديد بسبب موتهم المفاجئ "

سكت قليلًا ثم استأنف قائل بعينان تملؤها الحزن :

" نحن أيضًا سيباغتنا الموت يومًا ما لنذهب إلى حيث من سبقونا ونقابلهم مجددًا .. "

عم الصمت مجددًا لتستلقي (الفتاة) واضعة رأسها في جحر (جمرود) الذي يربت على رأسها لتغلق عيناها بنعاس.

وضعت (وَهج) رأسها بين ذراعيها وهي لاتزال تحتضن جسدها لتغلق عيناها قائلة بنبرة باكية :

" وماذا عن قلوبنا التي تمزقت بموتهم ورؤية لحظات موتهم التي لايمكن للعقل محوه .. "

التف (جمرود) بوجهه يُمنى ناحية (وَهج) التي كانت تغطي وجهها بذراعيها المحتضنتا بجدسها ليتنهد ويقول :

" الموت شيء لايمكننا معارضته حتى لو لم نريده فهو حتفنا الذي يلاقينا في أوقاتٍ مجهولة .. ففي النهاية جميعًا سنموت وما المسألة إلا مسألة وقت حتى يحين دورنا .. رغم إننا شاهدنا لحظات موتهم التي لاتُنسى وترك ذلك جرح عميق في قلوبنا إلا أنهم كانوا سعيدين لموتهم لأمر يستحق "

قطعت (وَهج) كلامه رافعة رأسها لينكشف وجهها الذي أحمر أثر البكاء وعيناها التي قد أغرورقتا بالدموع قائلة بصوت مرتفع قليلًا بنبرة غاضبة :

" ومن سيسعد بموته؟! أن هذا لغباء "

نظر (جمرود) نظرة خاطفة إلى (الفتاة) التي غطت في نوم عميق قائل :

" جميعًا سنسعد إذا وافتنا المنية أثناء إنقاذ من نحبه أو أثناء حمايتنا لشيء .. فالموت شجاعًا أفضل من الموت مذلولًا ضعيفًا .. لن تفهمي ما أعنيه الأن وعندما تكبرين ستفهمين "

تضايقت (وَهج) من كلامه لكنها لم تنطق بحرف بسبب الخنقة التي كانت تؤلمها وتمنعها عن الكلام لتقف وتتجه إلى إحدى زوايا الكوخ وثم تستلقي وتغلق عيناها... .

.

...يُتبع...

ساحرة الشمال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن