الحكم و الخلاص

الفصل الرابع : إنّه الحبّ

إنّ الإنسان قبل الحب شيء .. و عند الحبّ كل شيء ..

و بعد الحب لا شيء

**************

سرعان ما تبدّدت ملامح الصدمة على وجه ناردين لتحلّ محلّها أخرى منتشية بإنتصار حين قالت دون الإبتعاد عن زوجها :

" أعذرينا الآن .. يجب أن نذهب .."

هكذا فقط و إلتفتا للمغادرة تاركين خلفهم تلك التي همست لنفسها بأعين متسعة و فكها يكاد يلامس الأرضية :

" مستحيل .. متى حدث ذلك ؟ .."

عند خروجهم أفلت كتفها و فتح لها باب السيارة لتركب .. توجّه بعدها إلى مقعد السائق ليشرع في القيادة دون مخاطبتها أو حتى النظر إليها ..

لا تعلم لمَ شعرت بشيء من الغبطة و هي تلمح ذلك الفخر في نبرته عندما قدّمها كزوجة له قبل قليل .. زمّت شفتيها تمنع ظهور إبتسامتها .. بينما ينهش السؤال نفسه تفكيرها منذ تلك اللحظة : " هل هو فخور بها حقا ؟ .. " ..

عقدت حاجبيها فجأة تنهر نفسها على هذه السطحية التي وصلت إليها .. جدّيا .. لمَ سيكون فخورا بكونها زوجته و هو من أخبرها أنه يكره هذا الزواج و لا يريده ؟ ..

أراحت رأسها على خلفية المقعد و هي تسخر من غبائها أو ربّما حاجتها التي كانت سببا رئيسيا في إيصالها لهذه الحالة .. أجل .. لم يعتزّ أحد بها من قبل .. ربما والدتها .. لكنّها كانت دائما تحاول إخفاءها عن الأعين و كأنّها خطيئة ما .. لم يكن هناك من يقول هذه إبنتي .. أختي .. أو صديقتي .. لم يكن هناك من يقول هذه المرأة تنتمي إليّ ..

هذا ما جعل تلك السعادة المؤقتة تغلّف نسيج عقلها قبل قليل .. و هذا أيضا ما يجعلها تتحوّل إلى هذه الغصة في حلقها الآن ..

إنّ الإنسان جشع بطبعه .. دائما ما يودّ إكمال ما ينقصه و ما حُرم منه .. يودّ أن يشعر بكلّ ما لم يشعر به حتّى و لو لثوان .. اليتيم مثلا يتطلّع إلى شعور العائلة و لو كان ذلك للحظة واحدة فقط .. السجين إلى الحرية .. المريض إلى العافية .. الحزين إلى السعادة .. المنبوذ إلى الإهتمام .. و في حالتها هي .. كانت تتطلّع إلى الإعتزاز ..

إنتشلها من فقاعة تفكيرها العميق صوت إنطفاء محرّك السيارة .. لتنتبه أنّها مركونة في مرآب داخلي خمنت أنه مكان بيته على الأغلب ..

طوال الطريق داخل المصعد .. كان الصمت هو المتحدّث الوحيد بينهما .. و ما أن فتح باب الشقة حتّى ألقى كلاهما السلام في آن واحد عند الدخول ..

كان المنزل متواضعا و لا يختلف كثيرا في تصميمه عن خاصتها .. قاعة جلوس واسعة مفروشة بالعديد من الأرائك الجلدية الفخمة .. رواق طويل يفصل بين الغرف .. مطبخ بسيط في بدايته و حمام في نهايته ..