الفصل الرابع

79 5 0
                                    

#رواية_وَمَا_أُبَرِّئُ_نَفْسِي

"لا تحاول إصلاح أمور دنياك وأمور آخرتك خرِبة. عليك بالله قبل كل شيء وأي أحد"

#الحلقة_الرابعة:

ترجلتْ من سيارة الأجرة أمام باب البيت تزامنًا مع وصول خالتها أم خالد، زفرت بضجر وهي تراه معها، ألا يملك هذا الشاب عملًا بدلًا من ملاحقته لأمه كالأطفال هكذا! هذا كان تفكيرها لمَّا رأته، وقد طفق هذا على تحيتها لهما أيضًا، حيث اغتصبت ابتسامة لم تكلف نفسها عناء إخفاء اصفرارها حتى، ودخلت من الباب إلى غرفتها مباشرة، أنهت طقوسها وخرجت إليهم ما إن دعاها أبوها لتناول الغداء، وقد كان ككل الوجبات معدومة الطعم التي يحضرها هذا الـ خالد ثقيل الظل على قلبها وحياتها. دخلت الغرفة مباشرة بحجة فروضها الجامعية المستعجلة، وقد هربت بدهاء من الجلوس معهم وفتح موضوع جديد عن تطورات بناء البيت الخاص بخالد، لكن الأمر لم يطُل، حيث اقتحمت أمها خلوتها وطالبتها أن تتحلى ببعض الأدب وتخرج للجلوس قليلًا مع خالتها، خرجت إليهم وهي تتثاءب باصطناع، سأل خالد الذي وضع الهاتف جانبًا ما إن رآها مُقبلة:
- أتبدين جيدًا في جامعتكِ؟

- أجل.
- هل من معوقات؟ لي بعض الزملاء من الـ...

- كل الأمور تسير علي خير ما يرام، شكرا لاهتمامك يا خالد.
قاطعت حديثه بردها الذي جعل أمها تتوتر بسبب فظاظة ابنتها، فتحدثت سريعًا تبدد وقاحة الموقف:
- سأصنع لك العصير الذي تحبه يا خالد.

- خذيني معكِ لأشاوركِ في أمر ما يا إلهام.
قالتها خالتها وهي تتحرك خلف أختها تاركين من خلفهم خالد وسجى في جو مشحون بمشاعر متضادة تمامًا، تحدث هو مستغلًا انفراده بها:
- أشعر أن هناك حاجزًا كبيرًا بيننا يا سجى، هل لي أن أعرف سببه؟

عقدت بين حاجبيها تتصنع عدم الفهم، ثم هزت كتفيها وهي تُخرج هاتفها من جيب سترتها وتفتحه قائلة:
- لا أفهم ما ترمي إليه يا ابن خالتي.

تقصدت قولها كأنها تُخبره بمصداقية مكانته الحقيقة التي لن تتزحزح لمسمى آخر يرنو إليه، فما كان منه إلا أن انجرف في حديث كُتم بين جنبات صدره لفترة أطول من اللازم، وقد شعر أنه لو لم يُفضِ به الآن سيموت مخنوقًا به:
- سجى، أنا أسعى سعيًا خلف بناء مستقبل تكونين شريكة لي فيه، هلا ساعدتني كي نتفاهم أكثر ونعرف عن بعضنا ما خُفي حتى يتسنى لنا الحكم على علاقة أنوي ربطها في القريب العاجل.

هنا وطار كل تحكمها في لسانها الذي لا يرد إلا بالقطارة، فراحت تصيح فيه كأنه سبها للتو:
- ومن ذا الذي أعطاك إذن التفكير حتى في وضعي محل شراكة لك في المستقبل؟ هل عرفت حتى رأيي؟ أم أن علاقة الدم التي تربطنا ستحل لك ما تصبو إليه رغمًا عني؟

صدمة كلماتها ألجمت لسانه عن النطق، ونظراته لها كانت مكسورة بدرجة كبيرة، لم يتصور أبدًا أن تنكشف مخالب لسانها وتهبش قلبه المتعلق بكل ما يخصها، يعرفها أكثر من نفسها، يعلم عنها ما قد تكون هي غافلة عنه، الأزرق لونها المفضل، والبرتقال مشروبها البارد الأكثر إنعاشًا، والقهوة المرة أفضل من أفضل مشروب على كوكب البسيطة، لا يكتمل يومها بسواها، ولا تجد مزاجها إلا برائحتها، تأكل المعكرونة المسلوقة بنهم حتى أنها تنسى أحيانًا وجود ضيوف على طاولتهم بسبب اندماجها معها.. استفاق من دوامة سقوطه بها على تركها إياه وذهابها إلى غرفتها، لم يسمع آخر ما قالت لشروده، ويحمد الله أنه لم يسمعه، فهو ما كان ليتحمل أكثر مما سمع.

وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي Where stories live. Discover now