23

8.1K 190 28
                                    



السّجن ليس سيجانًا و أسوارًا
السّجن قد يكُون فكره وقد يكُون لحظه
زمنِيّه وقد يكُون شخصًا ، سواءً تحبه أم تكرَهه
نَفس الميّاسه اللي صار السّجن بالنّسبه لها والدتهَا جوانَا ، وهي من بَعد ذلك اليوم استقالت والموقف اللي صَار بينها وبين نوّاف وذكراه مازالت تُعانق ذاكرتهَا

زَاد حُزن جوانا الدَاخلي على طفلتهَا والتي لم تكُف على البُكاء طيله الليل ابتسمت لها وقَالت :
وللحِين ناوِيه تخبين عَني اكثر من كِذا ؟
صدّت طفلتهَا بألم وأردفت : ماما تكفين خَلاص
جوانا بغَضب طفيف : لا مب خَلاص يا ميمي
بتقُولين لي الحين وش مزعلك وليش استقلتِي؟

الميّاسه لفت عَلى امها : ماما انا احس انَي مُجرد عاله عليك وثقل وهّم وسبب حزنك وتعاستك
جوانَا انصدمت وفورًا تركت كل مافِي يدهَا
وتقدمت لطفلتهَا وهي تسحبهَا لأحضانهَا وتقول بإندفاع شديد : لا ياميمي ! لا يرُوحي انتِ !
كيف تقولين عن نفسك كِذا ! ياميمي تتوقعين أستقالتك اصعب ما حصل لي ؟ وانتِ تعرفين كل شي عنّي وكل ما مريت فيه ؟ وتعرفين انه اللي مثلي مُمكن ينهون حياتهُم من قديم الزّمان ولكني تمسكت بكل خيط من الحياة ... لأجلك يابنت بطنِي
وطفلتي اللي عوضتني عن مافقدت وعن اختها الكبيره وعن صقر وعبدالإله وابوي وامي
انتِ كل البشر بناظرِي وسبب الحياة بالنّسبه لي!

بعد ثوانِي مُعدوده وخرّت الميّاسه بِبُطئ وهي تتأمل والدتهَا الجميله ونزلت راسها بحُزن : ماما انا فُوق ما أنّي مادرست جامعه وجلست علّه مالها فايده ، انفصلت من دوامي اللي كنت فيه لجل اخلِيك ترتاحين من الدوام ومن الخوف والقلق من انه احد يمسكك او يبلّغ عليك

جوانا بإبتسامه أمل وصبر رُغم كل ماذاقته :
حبيبتِي ميمي ، انتِ ما دخلتي الجامعه لأنك ما اختبرتي تحصيلي وقعدتي مقابلتنِي شهرين يوم طرحتني الحمى الملطيّه ، تذكرين ؟

المياسه بزعل : ماسويت شي كنت بس معصبه وانا اقابلك
ضحكت جوانا : وانتِ دايم معصبه واصلا علاقتنا ما كانت زينه بالسّنين اللي طافت يعني عادي
المياسه بحزن : انا اسفه .. انا مَا كنت ادّري ان عندي ام عظيمه وصبوره مثلك ، يا ليت اكابر هنا
وتكون لك عوض وعوّن يا ماما


جوانَا اللي اختنقت بغصتهَا من طاري أكابر اللي دائمًا وابدًا ومهما انقَضت السّنون والأيام مازال يُضعفها ويأخذ من صحتها : عندي ميمي الحين وهذا اهم شي "ابتسمت بإنكسار" انتِ تهتمين كثير بما كان ، وبما سيكُون يقول المثل يارُوحي البارحه تارِيخ والمُستقبل غمُوض أمّا اليوم ؟ .. فمُوجود وعشان كِذا اسمه حَاضر
" انهمرت دمُوع ام فَقدت قلبهَا و روحها من اربعه وعشرين سنه وهي تكمل وتقُول " انتِ تدرين يا ميمي انّي عَلى مدار اربعه وعشرين سنه كل ماحطيت رَاسي على المَخده اقعد اتسائل
هل بنتِي أكابر حيّه ؟ قد شفتي أم ماتدري اذا بنتهَا حيّه او ميته ؟ تدرين انّي كل مارفعت يدي ابي ادعي لبنتِي ما ادري وش اقول ؟ هو المفروض ادعي بيارب احفظ بنتي ولا يارب اكرم دارها وارحمها ؟ دعوتي الوحيده ان الله يجمعني فيها عاجلًا غير آجل بعد ما أتطمن عليك ياحبيتي
"نزلت راسها وهي تبكي بشدّه مع أرتعاش شفتيها ورَعشه عيناهَا وبرُوده اناملهَا و ذبُول ملامحها ، وبُهتان جسدهَا من الحياة" بنتِي تعَشت ولا جوعانه ؟ بنتِي بردانه ولا متدفيّه ؟
تدرين احيانًا اقول لو انها ماتت بين يديني ارحم لي ؟ مب كرهًا ياميمي ورغبةً في فقدهَا وأنما حُبًا في المعرفه والبُعد عن المجهُول اللي انا قاعده اعيشه واللي مقيّدني حتى في دُعائي لهَا
انا هالفتره مادري ليش قلبي يعورنِي واكابر طول وقتها في بالي " رفعت راسها وهي تخاطب اكابر الغير موجوده بصُوت عالي ونحيب شديد ارعب الميّاسه" أكَابر ياروحي ياطفلة الشمس ومولودة القمرِ إنَّ الوجود هنا ضربٌ من الخطرِ
‏طيري إلى الغيم، دوري حول كوكبنا
‏لا تجلسي بيننا، الأرضُ للبشرِ
أنا آسفه انَي امك ، انَا آسفه لأن بطني اللي شلّك ماكان الا لوَحده سيئه نفسي ، أنا آسفه
لاني ماعطيتك حُب ولاعطيتك حقك ، أنا آسفه لأنك
خذيتي عرقي الفارسي ، انا ماكنت لك الا نحس وانتِ ما كنتِ لي الا غيمه اكرمتنِي لشهرين فقط
وربي خذاك منّي لاني ما أستاهلك أنا اسفه لانك مُوجوده في كل مكان الا قلبي و حضنِي



رغم البراءة والحضور الطفولي الله مخلي كيدها في عيونهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن