Ch.1

182 17 14
                                    

الخضار يحيط بي من جميع الجهات وكانت ظلال الأشجار العملاقة تعتم قرص الشمس المضئ، كنت اتعثر كثيرا في جذوعها الضخمة، اعتقد انني اصبت ركبتي فهي تحرقني كثيرا الآن، ولكن لا وقت للتوقف لقد اتخذت قراري ويجب ان اكمل ما بدأته، لا اعلم ان استطاعوا تقفي أثري الآن ام لا ولكن ما ادركه جيدا انهم علموا بنواياي السيئة والمُخالفة للقواعد،ولهذا يجب ان اصل للحافة بأسرع ما يمكن .. يجب علي هذا، تسارعت نبضات قلبي بشكل غير معقول وادركت الرهبة جميع حواسي.. ولكن سرعان ما تحولت هذه الرهبة إلى امل يضئ بصيرتي مثلما اضاءت تلك الأشعة روحي، لا يوجد ظلام.. إنه نور.. اشعة نور ضئيلة تسربت من بين ظلال الأشجار، كنت اعلم ذلك.. لم يخطئ حدسي، كنت اقترب اكثر بينما تلك الأضواء تزيد وتبهر عينيّ اكثر.. هذه النهاية إذن.. بضع خطوات اخرى.. بضع خطوات فقط، كانت الابتسامة بدأت تعلو محيايّ عندما اقتربت كثيرا من نهاية الغابة ولكن للحظة قصيرة.. شعرت في البداية بشئ حارق يلتصق بظهري ليشل حركتي، فاصطدمت بالأرض العشبية الموحلة، ثم سرا هذا الاحتراق مخترقا جميع اوصالي، لم اسمع سوى صوت ضربات قلبي التي باتت تعلو وتعلو حتى اصبحت مثل الرنين في اذني، اظن ان هذه هي النهاية فعلا.. ولكن نهايتي انا. 

حاولت فرك عينيّ جيدا بالماء لأستعيد وعيي بينما تجنبت النظر في المرآة، اخبرت نفسي «لا تفكري.. لا تفكري»، ولكنني كنت اعلم أنني سأستسلم في النهاية، لماذا كنت اجري؟!
ومن مَن؟ 
وإلى اين كنت اذهب؟ 
واين كنت؟؟ 
كان اسهلهم هو الأخير او بالأحرى السؤال الوحيد الذي احمل إجابته، كنت في الغابة بالطبع. 
رطمت بعض الماء بقوة على وجهي مره اخرى، محاولة إقناع نفسي_مثل كل تلك المرات_ ان هذه مجرد احلام غبية، فهذا ليس طبيعيا بالطبع؛ لأن هذه هي المرة.. لا اتذكر!! 
«يكفي هذا» تمتمت بينما افرك عينيّ بقوة مرة اخرى، واخبرت نفسي«في النهاية إنها احلام.. لن تؤذيني».
خلعت ملابسي بوهن وشعرت بالماء الساخن يتخلل خصيلات شعري نزولا إلى باقي جسدي ذكرني هذا بنفس الشعور الذي احسسته عندما صحوت. 

حاولت تمشيط شعري سريعا، لا اريد التأخر في اول ايام هذه الصف الدراسي، كنت ارتديت الزي الرسمي للمؤسسة سابقا،والذي كان عبارة عن قميصٍ ابيض بلا أكمام _للفتيات فقط أما الفتيان فيرتدون قمصانً بأنصاف أكمام_ والذي كانت تعلوه لياقة ملونة، وبنطال أبيض ايضاً وكان آخر ما وضعته فوق قلبي هو الدبوس الذي يحمل رأس وحيد القرن مغمض العينين،في الحقيقة لقد كان زي المؤسسة بأكمله رمزًا لوحيد القرن؛ شعار مدينتنا والذي يرمز للسلام ، تركت شعري مسدلا في النهاية ولا اظن انهم سيعاقبوني لمجرد تركه مفرودا،تنهدت و التقطت حقيبتي بسرعه واغلقت الباب ورائي. 
عندما نزلت لأسفل كان ابي وامي يتناولان إفطارهما، جلست إلى احد الكراسي التي تقابل ابي، إن ابي منهمك في عمله كثيرا ونتيجة لذلك كنت لا اراه سوى في الصباح يتناول طعام إفطاره، واحيانا في المساء عندما اقرر ان اتناول عشائي، حين شعرت بقرقعة في معدتي تذكرت ان فطوري ينتظرني لأعده ورأيت امي ترمقني بتلك النظرة التي اعرف مغازاها جيدا، لم اكن اعلم مالذي يمكنني تناوله بعد، فتحت باب الثلاجة والقيت نظرة على اللبن والجبنة اللذان ينتظران معدتي الفارغة، حمصت قطعتي خبز وملئت كوبي باللبن ثم دهنت الجبنة فوق الخبز وعندما انتهيت لعقت الملعقة بفمي فشعرت بملوحة الجبنة تلسعني، اقسم ان امي لو رأتني افعل ما افعل لقتلتني في حينها، ولكن الا يمكن للمرء ان يستمتع ببعض الحرية في منزله، وضعت كوب اللبن فوق المنضدة بعناية فقد اكتشفت سابقا اني ملئته كثيرا، عندما جلست مرة اخرى انتبهت ان ابي وامي يتمتمان فيما بينهما، وعندما انتبها إلي اخذت امي تتفحصني بينما قال ابي بصوته الاجش«إذن إنه بداية فصل دراسي جديد» اجبته قبل ان آخذ قضمة اخرى«نعم» اعلم انه انتبه إلى موعد إستيقاظي المبكر ففي الايام العادية كان نادرا مايراني مبكرا هكذا، وبعد قليل عرفت سبب نظرات امي الطويلة لي عندما اخبرتني «انتِ تعلمين جيدا انه ليس مسموحا لكِ بإسدال شعرك هكذا»رددت عليها سريعا«نعم اعلم جيدا،ولكني اظن ان تركي لشعري مفرودا لن يقتل شخصا مثلا»رأيت عينا امي تشتعلان بينما ابي يرمقني بنظرة حادة ثم تكلمت امي ببعض الحدة«اختاري كلماتك ايتها الفتاة ولا تتحدثي مع الغرباء بهذه الطريقة،هذا اولا،وثانيا هذه هي قوانين المؤسسة التعليمية وعليكِ ان تتبعيها مثل الجميع»
«لست الجميع»تممت بصوت منخفض لأنني اعلم جيدا ان هذا اليوم لن يمر بسلام إذا سمع ابي وامي هذه الكلمات، بعد هذا رأيت ابي يرتدي حذائه ويستعد للذهاب، حتى اخبرته «ابي انتظر سأنزل معك» شربت ماتبقى من لبن ثم اخذت اخر قطعة خبز معي ارتديت حذائي بيد واحدة خرج ابي قبلي وقبل ان تطأ قدمي عتبة الباب، سمعت امي تخبرني بصوت يشوبه التحذير «انتي لا تريدين افتعال المشاكل مثل العام الماضي،كايا ». 

عندما اقتربت من المصعد رأيت احدهم يبدو طول القامة عليه واقفا بجانب ابي ينتظر المصعد ايضا، ويبدو أنه طالب في المؤسسة لأنه يرتدي الزي الخاص بها، لم تكن قطعة الخبز قد انتهت عندما دخلت للمصعد، "مصعدي المريح"  هكذا اسميه؛ لإنه مريح للغاية في الواقع، شاسع للغاية وبه سجادة ناعمة بالإضافة إلى المرايا التي تحيط بجميع جوانبه، التفت إليها الآن فرأيت بعض فتات الخبز فوق ملابسي، ازلته ثم عدلت شعري واخذت آخر قضمة من الخبز، وانتبهت عندها ان صوت اكلي هو الصوت الوحيد السائد في المصعد ولكننا كنا قد وصلنا لمدخل المبنى عندها، خرج ابي اولا ثم تبعته انا، عندما مررت بالباب رأيت السيد ستيوارت حارس امن المبنى، ابتسم عندما لمحني فابتسمت له بدوري «صباح الخير سيد آندرسون ، صباح الخير آنس..» لم يكد ينطق بها حتى تأكد ان ابي ليس في مرمى سماعنا فاكمل«كايا» ابتسم ابتسامته الطيبة التي اعرفها جيدا «صباح الخير سي.. تومسون» ضحكنا سويا ثم قال «بداية الفصل الدراسي، اليس كذلك؟» اخبرته بينما اهز كتفي «للأسف» ورسمت مظاهر البهجة على وجهي فضحك ضحكة قصيرة وقال«اتمنى لك يوما هنيئا إذن» اعلم انه يقصد إغاظتي لأنه لن يكون هنيئا ابدا فرددت عليه قائلة«اتمنى لك يوما بائسا عزيزي تومي» قلت له ذلك بينما كنت تابعت سيري مرة اخرى وسمعت صوت ضحكته يتلاشى في اذني، إن السيد تومسون من اصدقائي القلائل الذين يمكن عدهم على اصابع اليد،وهذا لأنه طبيعي وغير متكلف في افعاله ومثالٌ للشخص الطيب والأب الحنون او فقط مجرد مثال للإنسان الحقيقي،عندما رأيت انوار سيارة ابي الخلفية تضاء تذكرته، انه ينتظرني الآن في السيارة، بدا الغيظ يشكل ملامح وجهه عندما اصبحت قبالته«هل انتهيتِ؟!» إنه لا يعلم ما اوشك على فعله الآن، بالطبع لم يكن ينتظر جوابي ولكنه ادار محرك السيارة ووقفت منتظرة ان يتلاشى غضبه قليلا ولكني اخبرته سريعا لأنني ادركت ان غضبه آخذ في الازدياد وليس التناقص«اسفة أبي سأذهب مشيا» رأيت اصابعه تلتف بإحكام حول مقود السيارة ولكنه ما إن أخذ نفسا عميقا حتى ارتخت واخبرني«لا مشكلة» 

عندما سرت في طريقي تنفست الصعداء واخبرت نفسي «سَيَمُر.. سَيَمُر» .
________________________________________

نهاية الفصل

متنسوش الفوت لو عجبتكم الرواية وقولولي رأيكم في الكومنتات ♡

𝐸𝑥𝑝𝑢𝑙𝑠𝑖𝑠 || إكسبولسيس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن