المسيحية والوثنية

115 2 0
                                    



ثلاثة قرون من الاضطهاد الوثني الشديد للمسيحية.

ثلاثة قرون من الاضطهاد الروماني بخاصة.

ثلاثة قرون كانت فيها ردة فعل المسيحية قوية عنيفة ، لكنها لم تكن تعني أبداً أن هنالك تناقضاً كبيراً واضح المعالم بين الطرفين.

وعلى الرغم من أن كثيراً من الناس يعتقد بأن هنالك تناقضاً فإن الحقيقة مختلفة جداً ، والمظاهر خادعة مضلة.

لقد كانت أشبه بظلم ذوي القربى.

ومثل هذا الظلم أشد مرارة وأشرس وأعمق جرحاً وإيلاماً.

وحقل الدين يضرب لنا أمثلة كثيرة على ظلم ذوي القربى.

أليس الصراع الدامي بين البروتستانت والكاثوليك دليلاً على ذلك؟

ونحن في دراستنا لتاريخ اﻷديان اليوم لا نستطيع أن ننكر ما بين المسيحية والوثنية من صلات وثيقة وأواصر متينة ، بل إنه يلزمنا ويجب علينا أن نبين كيف أن المسيحية هذه تحدرت من الوثنية وصار لهما نسب واحد وأصل مشترك.

وهذا أمر منطقي طبيعي جداً لدى مؤرخ اﻷديان.

فليس هنالك دين منبت الجذور لا يمت بصلة إلى دين آخر.

ولقد سبق للمؤرخ الديني الشهير (ألفرد لوازي) أن قال : إنه ليصعب علينا أن نرى ديناً مستقلاً خالصاً من العلاقة مع اﻷديان اﻷخرى تماماً كما يتعذر وجود شعب نقي الدم خالص لم يمتزج بشعوب أخرى على مدى التاريخ.

بينما يقول العلامة البحاثة في علم اﻷديان (مركيا ألياد) : "ليس هناك دين جديد تماماً يلغي أو ينسخ كل ما أتى به الدين الذي سبقه.

إنه يجدده ، ويصهره ، ويؤكد أركانه القديمة الجوهرية".

لم يعد يكفي دارس تاريخ اﻷديان أن يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الوثنية والمسيحية ، بل ينبغي عليه القول : إننا لا نستطيع أن نفهم مسيحيتنا حق الفهم إذا لم نعرف جذورها الوثنية ، فقد كان للوثنية قسط وافر في تطور الدين المسيحي ، وهو قسط غير مباشر ولا منظور ، وإذا صح أن لليهودية تأثيراً على المسيحية وكانت أساساً جوهرياً للنظرة المسيحية فإن علينا أن ننبه إلى أن اليهودية نفسها أصيبت بالتأثيرات الوثنية من فارس وبابل وخضعت لنفوذهما عندما كان اليهود في المنفى.

غير أن هناك تأثيراً خاصاً مباشراً أصاب المسيحية ، وهو جوهر موضوعنا.

لقد كان للوثنية اليونانية والفارسية هيمنة على المسيحية ، وكذلك كان للوثنية في عموم الشرق.

هكذا تألف دين جديد لملم أشتاته من هنا وهناك ، وكان كمن يصب خمراً عتيقاً في جرار جديدة.

ولربما أننا نحرف هنا قول إنجيل لوقا (5 - 39) : 《ليس أحد إذا شرب العتيق يريد للوقت الجديد ﻷنه ﻷنه يقول العتيق أطيب》.

اﻷصول الوثنية للمسيحيةWhere stories live. Discover now