- * -

17 2 0
                                    



وتتلى الصلاة الثانية :

"أنظر إلى هذه الهدايا أيها الرب نظرة استعطاف واسترضاء وسكينة ، وتقبلها كما تقبلت هبات خادمك الصالح هابيل ، وتضحية إبراهيم الشيخ ، وكما تقبلت قربان الكاهن اﻷسمى ملكيصادق الذي قدمه لك مقدساً بلا دنس . إننا نضرع إليك بكل تواضع أيها الرب الجبار أن تأمر الملاك المقدس بحمل هذه الهدايا بيده الطاهرة إلى المذبح المرتفع حيث تصير أمام أنظار جلالتك ، لنتلقى جميعنا أمام هذا المذبح وبفعل المناولة (المشاركة) جسد ابنك المقدس ودمه ، ولنمتلئ بالنعمة السماوية عبر جسد المسيح ، ربنا ، آمين".

ونجد في الصلاة اﻷولى إشارة إلى أن المواد المتحولة تدل على القيامة وتمجيد الرب.

أما الصلاة الثانية فإنها تذكر بالتضحيات الموجودة في العهد القديم فقد ضحى هابيل بخروف ، وكاد إبراهيم يضحي بابنه غير أن كبشاً حل محله في اللحظة الأخيرة.

أما ملكيصادق فلم يقدم ضحية لكنه ذهب لملاقاة إبراهيم محملاً بالخبز والنبيذ.

ولا شك في أن هذا المقطع من الصلوات لم يوضع هنا بالمصادفة ، فهو يشكل ذروة القداس.

إن هابيل هنا ، وهو الابن ، يضحي بحيوان.

أما إبراهيم فهو في اﻷساس أب ، إنه اﻷب القبائلي أو العشائري ، وبالتالي فهو أب على مستوى رفيع جداً ، ومع ذلك فقد كان مستعداً ﻷن يضحي بأعز ما لديه ، أي بابنه الوحيد.

على أن ملكيصادق سيد الاستقامة والصلاح كان - وفقاً لما ورد في رسالة بولس إلى العبرانيين - ملك ساليم كاهن اﻹله اﻷعظم المسمى "ال اليون".

ويذكر فيلون البيبلوسي أن ملكيصادق هذا كان إلهاً كنعانياً لدى قدماء الكنعانيين لكنه لا يتطابق تماماً مع يهوه (إله اليهود في التوارة).

وبرغم ذلك فإن إبراهيم يعترف بكهانة ملكيصادق ويدفع له معشار ما يملك.

ويقدم السير ليونارد وولي تفسيراً مهماً في تعليقه على اﻵثار المكتشفة في أور فيقول : " إن "صديق هو الاسم الفينيقي لله".

وأن ملكيصادق هذا يقف أمام إبراهيم موقف الكاهن حين يأتي له بالخبز والنبيذ.

وعلينا أن نفسر هذا "القربان" أو "التضحية" تفسيراً رمزياً.

ومن هنا نقول أن هذه التضحية الرمزية تتخذ مكانة أسمى من تضحية الابن ، ﻷنها بالطبع تشير إلى التضحية بشخص آخر.

أما ما يقدمه ملكيصادق فهو إشارة إلى تضحية المسيح بنفسه.

تبقى نقطة أخيرة لا بد من توضيحها في الصلاة الثانية ، وتتعلق بمعنى حمل الملاك للهدايا والتضحيات إلى المذبح اﻷعلى.

اﻷصول الوثنية للمسيحيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن