الفصل الرابع عشر : ورغم هذا تمضي الحياة ..

15.7K 162 42
                                    


هل شاهدتم يوما كيف تندفع مياه الأنهار ؟؟
بهدوء ورتابة ..
لا يوقفها أي عائق ..
مخترقة أعماق الغابة ..

هل رأيتم كيف تسير حمم البركان ؟؟
ساخنة مشتعلة ..
تكتسح كل ما حولها ..
تنهشها بحرارتها اللا محتملة ..

هل أبصرتم كيف يتحرك الإعصار ؟؟
بصخب وضوضاء ..
مقتلعا كل ما يمر به ..
دون أي استثناء ..

هذه هي الحياة ..

تسير بهدوء ورتابة وصخب وضوضاء ..
بوجع ومرارة بحب وهناء ..
ولد هذا ومات ذاك ..
ترملت تلك و تزوجت هذه ..
فرح هؤلاء وحزن أولاء ..

هذه هي الحياة ..

تكتسحنا أحداثها يوما ..
تخترق قلوبنا وربما تقتلعها أحيانا ..
ولكنها رغم هذا ..
تسير
وتسيـر
وتسيــر
دون هوادة ...

لن تتوقف لبرهة لأجل هذا ولا ذاك ..
ولن تنتهي عند موت هذا أو عيش ذاك ..
نعم , لن تنتظرك لتجمع شتات نفسك المحطمة ..

هذه هي الحياة ..

قم , انهض , أسرع واغتنم ..
فكل يوم يمر عليك
كل ساعة
كل دقيقة
كل ثانية
ستطوى , ستذهب ولن تعود ..
لن تعود ..

يوم الجمعة 10 / 6 / 1427 هـ
الساعة 1 بعد منتصف الليل :

قطب صالح حواجبه وهو يقبض على جواله بخوف , همس بصوت مخنوق من أثر التوتر والترقب وهو يحاول يصبغه بالهدوء : أدخل أدخل تلقى مفتاح المجلس تحت الدعاسة اللي عند الباب ..
وصك الجوال وهو يفكر بعمق عن سبب كافي إنه جاسم يقطع رحلة شهر العسل عشانه ..
فتح جاسم المجلس ودخل وفتح الأنوار وشغل المكيف ورمى جسده المنهك على مساند الجلسة العربية , انسدح على ظهره بتعب وهو يطالع في السقف بصمت , ماشاف سيارة عبد الرحمن برا أو في المواقف , هذا معناته إنه مازال يهيت في الشوارع ويصيع مع أصحابه , غمض عيونه وهو يفكر بالبندري وحملها واعتدل جالس وهو يحس النار اللي في جوفه تزيد , دقايق وانفتح الباب وطل منه عمه اللي ما يبعد بيته أكثر من عمارتين عن بيت أمه , قام جاسم بسرعة وسلم على عمه اللي قال بخوف بلا مقدمات : خير ياولدي , خير اش فيه ؟؟ شغلتلي بالي ..
ماعرف اش يقول بالضبط , قال لعمه بهدوء : إجلس ياعم , إجلس ..
جلس صالح وهو يطالع فيه بصمت , سأل جاسم : فين عبد الرحمن ؟؟
تجلت ملامح الفزع والخوف على وجه صالح وهو يقول : عبد الرحمن صار فيه شي ؟؟ صار في ولدي شي ؟؟
هز جاسم راسه وقال وهو يحس بوجع من خوف صالح على ولده اللي مو مهتم فيه : لا , بس أنا أسأل فينه ؟؟ لأني أبغاه يحضر الكلام اللي بأقوله ..
زفر براحة ورجع قطب وهو يقول : راح تونس يتمشى مع أصحابه , قالي إنه تصافى مع واحد منهم كان متضارب معاه بعد زواجك وقرروا يسافرون ..
زفر جاسم وقال بعد تردد : أنا اللي كنت متضارب معاه يا عم ..
وكمل بعد لحظة صمت ذبحته فيها نظرات عمه المصدوم : تضاربت معاه لأني اكتشفت إنه مسوي علاقة مع البندري ..
مرت دقيقة يحاول عمه فيها يستوعب الموضوع حط بعدها يده على راسه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله , لا حول ولا قوة إلا بالله , متى هذا الكلام كله ؟؟ ليه ماقلتلي من أول ؟؟
هز جاسم راسه وقال من بين أسنانه بغيض : ما أدري من متى ؟؟ و ما قلت لك لأني توقعت الموضوع انتهى من يوم خطبها , لكن اللي أعرفه إن الحقير جاها ودخل عليها كمان ..
دنق صالح راسه وهو يقول بوجه شاحب : لااااااااااا , لا حول ولا قوة إلا بالله ..
صرخ جاسم بداخله ~ ما تدري بالأدهى والأمر , ما تدري عن المصيبة اللي إحنا فيها ~ رفع صالح راسه وقال بتوتر وهو يحاول يطمن نفسه وإنه هذا نهاية الموضوع وهو يحاول قدر الإمكان إنه يتجاهل صرخات عقله اللي تقوله إنه أكيد هذا مو السبب اللي خلى جاسم يرجع من رحلته لأنه الخطبه كانت من زمان : بس الحمد لله , انخطبوا وانتهى الموضوع , صح ؟؟ صح ؟؟ ..
ولمن شاف جمود جاسم سأل بصوت غريب : مو هذا اللي مخليك تقطع رحلتك ؟؟
دنق جاسم راسه وهو يحاول يلقى عبارات تفهمه الوضع بدون ما يرتفع ضغطه أو يتعب قلبه الضعيف من الصدمة وهنا فكر بأزهار اللي حاولت قدر الإمكان توصل له الموضوع بأبسط طريقة , كيف قدرت تتحمل وتقول ؟؟ كيف قدرت تتمالك نفسها ؟؟ هو وهو رجال مو قادر يقولها , هز صالح كتفه وهو يستحثه بصوت خايف متوسل : جاسم انطق ..
قال من دون ما يرفع وجهه : أنا ما قدرت أكلم أبوية , ما قدرت لأنه هذا معناه إنه يموت لحظتها , البندري حامل يا عمي ..
فز صالح وقال بعصبية ووجه يتحول للون الأبيض من الصدمة : لا تكمل , ما أبغى أسمع أكثر ..
رفع جاسم راسه وطالع في عمه بأسى وهو يقول : لازم تعرف يا عمي , البندري حامل في 3 شهور من عبد الرحمن ..
رفع صالح يده لياقة ثوبه وفك أزرارها وهو يحس أنفاسه تختنق وبدأ يسحب أنفاسه سحب , قام جاسم بسرعة ومسك عمه وهو يقول بخوف : عمي ..
انزلق صالح من بين يدينه على الأرض , صرخ جاسم لمن شاف وجهه يزرق وهو ينحني له ويهزه : عميييييييييييييييييي ..
قال عمه بصوت مخنوق وهو يجاهد عشان يلتقط انفاسه : الحـ...ـبو..ب ..
دخل جاسم يده المرتجفه في جيوب عمه وهو يقول بخوف : الحبوب , الحبوب , الحبوب ..
ولمن لقيها فتحها بقوة خلت الحبوب تتطاير من العلبه , سحب وحده وقال وهو يجلس عند راسه ويرفعه : عمي , خذ , خذ ..
فتح صالح فمه بضعف , حطها جاسم تحت لسانه وهو يطالع فيه بصمت , غمض صالح عيونه يحاول يضبط نفسه المخنوق , ولمن بدأ اللون يرجع لوجه عمه جلس باعتدال على الأرض وهو يتنفس براحة , قام صالح لكن جاسم رجعه بحزم وهو يقول : ارتاح شوية ..
غمض صالح عيونه مرة ثانية عشان ما يشوف ولد أخوه الإنكسار والذل اللي رماه به ولده البكر , تأمل جاسم وجه عمه المغضن والتجاعيد اللي حولين فمه وعيونه وشماغه وطاقيته اللي طاحت وكشفت شعره الأبيض المختلط ببعض الشعرات السوداء , ولمن شافه يرفع يده عشان يمسح بها دموع ما نزلت مد يده ورص بها يد عمه وهو يقول : الذنب مو ذنبك يا عم , هو كبير ويعرف مصلحته , انت سويت اللي عليك و أكثر ..
فتح صالح عيونه وقام , جلس ودفن وجهه بين كفوفه و هو يقول بحسرة : ليه ما طلع زيك رجال يرفع راسي بين الناس ؟؟ ليه دايما ينكس راسي وهو بكري , أنا أبو عبد الرحمن , ليه ماطلع زيك رجال ؟؟
حس جاسم بكلمة عمه زي الطعنات في قلبه وهو يصرخ بداخله ~ لا تقول كذا يا عمي , أنا زي عبد الرحمن , من طينته لكن ربي رحمني بعدنان ~ , زفر صالح وقال : أستغفرك يارب , الحمد لله على كل حال ..
وبعد لحظة تفكير قال صالح : شوف , أنا بأتصل على عبد الرحمن وأخليه يجي على أول طيارة وإن ماجا رحت له بنفسي وجرجرته مع شعره زي الكللللللب عشان يصلح اللي سواه , و أبوك خليه عليه أنا أتفاهم معاه , والموضوع لا يطلع أبد , تراه هذي فيها فضيحة ممكن تنزلنا التراب طول عمرنا وتخلينا نمشي بين الناس منكسين روسنا ..
هز جاسم راسه متفهم وقال : تطمن , محد يدري بالموضع غيرنا ..
وكمل بتوتر : إلى الآن ..
و بدؤوا يتناقشون الطريقة المثلى اللي يوصولون فيها موضوع البندري لأحمد ..
وبعد مناقشات طويلة وحلول كثيرة طرحت ورفضت خرج جاسم وراح للشقة , كانت الساعة وقتها تجاوز 2 ليلا , دخل الشقة وسحب شماغه المحطوط على كتفه ورماه على الكنبة وفصخ جزمته وشرابه ورمى كل في جهة ودخل غرفة النوم اللي كانت مظلمة وبااااارده من المكيف , رمى نفسه على السرير وهو يغمض عيونه بتعب ..

عندما عبروا حدود الظلامWhere stories live. Discover now