بارت 14

3.2K 168 312
                                    

الحُلة البيضاء للأرض و التي تبعث على السعادة و تحفز على النشاط بدت كئيبة و بشدة هذه المرة بعيناه الزرقاوتين , أكان السبب إنعكاس لون الغروب على تلك البلورات الثلجية حقاً كما أوحى لنفسه ؟!

لماذا على لون الغروب أن يعكس ذاته على شيء نقي كما الثلج ؟! أن يتدخل مُبعداً تلك المشاعر الدافئة عنه مانحاً إياه كئابة لا نظير لها , ألا تُعد هذه جريمة ما ؟! أن يُباعد ما بين تلك البلورات النقية لونها الأبيض الساطع و يستبدله بلون الغروب الباهت ؟!

أليس هذا يعكس حالته أيضاً ؟ أليس هو يعاني من ما يفصله عن سطوعه و دفئه ؟! إذاً أتتمرد الطبيعة أيضاً كنوع من التعذيب له أم مواساة له ؟ هو لا يعلم حقاً , كل ما يفعله مُنذ مغادرته للمنزل الذي إحتضنه لسنوات هو الركض فقط , كم ساعة مضت على ذلك لا يذكر و ما عاد يهتم حتى !

و أخيراً خطواته المُرهقة توقفت بل إنهارت كما جسده أرضاً بوسط حديقة عامة بمنطقة تبعد الكثير عنه بل ربما ما كان ليخطر له القدوم لها سابقاً , لكن أهو فكر بهذا حتى ؟! عقله فارغ مُنذ ذاك الشجار الذي خاضه مع نصفه الآخر , لا يُمكنه التفكير مُطلقاً بل منع نفسه من فعلها عن طريق ذلك الركض الذي بدى له لوهلة بأنه سيستمر حتى يسلبه حياته , إلا أن قدميه و جسده أقدموا على خيانته مُنهارين يطالبون بحقهم بالراحة .

دموعه هي الشيء الوحيد الذي إستجاب لنداء قلبه ما إن سقط جسده أرضاً , أفكاره بدأت بالتدفق و هذا ما لم يرغب به حقاً , هو طفل ربما , تصرف بتهور شديد أجل فعل , لكن بحق الإله لماذا يظن أنه إقترح أمر كهذا ؟!

أيعتقد و لو لواحد بالمئة أن هذه هي رغبته حقاً ؟ أنه سيكون أفضل حالاً من دونه ؟! شهق بشدة بينما قبضتا يداه إنغرستا بالثلج تقبضان عليه بكل قوة ما إن خطر بعقله سؤال توأمه حول مشاعره إن فقد آخر فرد عزيز عليه !

هذا جعله يصك على أسنانه بقوة شديدة بينما ينهض من مكانه ليقف و هو ينطق بصوت مُرتفع نسبياً عكس كل ذرة ألم يشعر هو بها بهذه اللحظة :" أجل ستنهار أعلم ! لكن ماذا عني و اللعنة هنري , ماذا سيحدث لي إن فقدتك للأبد ؟ "

كور قبضته اليُمنى بقوة شديدة بينما يُكمل بذات نبرته السابقة :" أنا هُنا من يشعر بأنني سأفقدك بأي لحظة , لقد تعايشت مع هذا الخوف منذ زمن ما عاد بإمكاني إحتماله يا أخي , لماذا لا تشعر بي ؟ "

شهقة أُخرى قاطعت كلماته قبل أن يُردف بنبرة شبه هامسة :" ماذا إن وجدتك الشرطة و أخذتك بعيداً عني ؟! يمكنني أن أراهن بحياتي كلها أنك حتى لو كُتب لك الخروج من السجن لن تحاول العودة لي حتى بحجة أن هذا سيكون أفضل لي ! إذاً ماذا لو إضطررت للقتل ؟ لن تعود أساساً للحياة , و إن لم تتدخل الشرطة لكنك بدأت تعتاد على مهام كالقتل ؟! "

أغلق عيناه مُتخيلاً صورة توأمه الباسم بهدوء بينما أخرجت حُنجرته نبرة ضعيفة ما سبق له إستخدامها :" سأفقدك بشكل آخر ! أنت و مع بضع مهام كالسرقة و التجسس بدأت تنعزل عن الجميع , بالكاد كنت تتحدث معي ! أخي لو إضطررت للقتل و لو لمرة فأنت قد تتوقف حتى عن العبث بشعري بل عن الجلوس معي بمكان واحد بحجة أن يداك ملوثتان ! "

حطام خلفته الذكريات Donde viven las historias. Descúbrelo ahora