الفصل الثامن عشر

14.5K 320 4
                                    

الفصل الثامن عشر
ما أجمل اللقاء بعد طول الفراق
إنها لحظة ترسم أحداثها في لون الربيع
لحظات إشتياق وحنين للقائها
كانت اللحظات تمر كالدهر وهم يسابقون الوقت
والدتها تبكي بفرحة وسعادة ونبضات قلبها المتسارعه تسبقها حباً وإشتياقاً
والدها ممسكاً بيد سميحة المرتعشة يدعو أن يراها الأن وليس بعد سويعات قليله
أما هو فكان متشوق بنبضات تعصف بشدة في صدره... صغيرته آخيراً سيراها بعد مرور أكثر من سبع أعوام
وصديقة سعيدة للقاء رفيقة دربها...حزينة تشعر بالذنب لما حدث لها وعلي يقين أنها لن تعود كما كانت من قبل
فهي تعرفها أكثر من حالها
مرت الساعات طويلاً علي الرغم من أنها كانت ساعات قليلة
كانت سميحة اول من ترجل من السيارة تُهرول نحو المنزل كأنها فتاة صغيرة في العشرين وليست إمرأة في العقد الخامس من العمر....لحق بها ياسر ومازن أما نادين فكانت تقدم قدم وتؤخر الآخري تشعر بالخوف من القادم
في الداخل تسمر ثلاثتهم بمكانهم عند رؤيتهم هذه الفتاة التي فقدت الكثير من الوزن بعينان ربما لا تعرف لونها من كثرة الهالات السوداء المحيطة بها والوجه الشاحب والشفتين المرتجفتين
تجلس بوسط البهو ولكن ليس علي مقعد بل علي الارض كأنها تعودت عليها وأصبحت رفيقتها..ضامة ركبتيها إلي صدرها..تخلصت من حجابها وتركت شعرها للعنان
كانت في عالم آخر لم تراهم في البداية إلا عندما إنطلق إسمها من فم مازن المذهول كأنه يتأكد أنها هي حقاً
مازن:أسيل!!
أجفلت عندما سمعت صوته...هذا الصوت الذي لطالما إشتاقت له كان دائماً يُشعرها بالأمان..نظرت له بعينين متورمتين من كثرة البكاء ولكن سميحة لم تعطي للإندهاش الفرصة للسيطرة عليها بل هرولت سريعاً إلتقطتها بين أحضانها كانت كالعصفور الجريح الذي وجد ملاذه آخيراً...ظلً جسدها ينتفض بشدة بين ذراعي والدتها لا تعلم هل تبكي إشتياقاً أم فرحة..هل تبكي حزناً لفراقه أم سعادة للقائهم!!
كانت الدموع كالأنهار علي وجنتيها بكت وبكت حتي إنتهت الدموع ولكن دموع قلبها الدامي كانت أقوي بكثير من مجرد دموع تبلل وجنتيها أو ملابسها التي أصبحت رثة بفعل الوقت...كلما كانت سميحة تُشدد من إحتضانها كان يزداد إنتفاض جسدها الضئيل
بعد وقت ليس بالقليل إلتقطها ياسر لأحضانه ودموعه الحبيسة تعبر عن إشتياقه الشديد لطفلته المشاغبه حتي أخذها مازن لم تتحدث إلا عندما أصحبت بين يديه هو...هو من كان يسميها رفيقته..صغيرته..مشاكسته كلمة متحشرجه خرجت من بين شفتيها المتلعثمتين فقط إسمه الذي كان كفيلاً بأن يحملها بين ذراعيه ولم يتركها إلا عندما رآها هي ونادين ينظران لبعضهما البعض نظرات تحمل الكثير من المعاني
هرولتا ناحية بعضهما بسرعة البرق كان لقاء محمل بعبق المشاعر لم يكن يحتاج للكلام لأن الصمت والدموع كانا أسمي من الحديث وهل تحتاج عيون الأصدقاء إلي حديث
ظلتا علي هذا الوضع البكاء والإحتضان الشديد....كان شعور نادين بالذنب أقوي بكثير مما يتخيله ظلت تبكي وهي تحتضن أسيل وعلي لسانها كلمة واحدة ترددها بصوت يحمل كل معاني تأنيب الضمير
نادين:أنا السبب كان لازم ياخدني أنا كان لازم يؤذيني أنا..
لم ترد بشئ فقد كانت في عالم آخر وكان لسان حالها يقول
يا ليتني لم أراه...ياليتني لم أتركه
ياليت لم يكن بيننا لقاء...حتي ينتهي بالفراق
كانت ليلة محملة بالشجن والدموع الممتزجة بالسعادة
في الردهة الواسعه كانت تجلس علي الأريكة بين والدها ووالدتها وفي قبالتها يجلس مازن ونادين...كانت سميحة تحتضنها بشدة بينما هي تتشبث بها كما لو كانت مازالت في سن العاشرة أخرجها من أفكارها صوت سميحة الحنون وهي تتلمس وجنتيها برفق قائلة
سميحة:حبيبتي تعالي إطلعي أوضتك غيري الهدوم دي وخدي شاور علشان ترتاحي
نظرت لها بتشوش كأنها لم تسمعها حقاً ولكن لم يكن يخفي علي نادين أن هناك شيئاً آخر تخفيه غير الذي حدث...عيناها تخبران بحزن دفين لذا تحركت من مكانها بإبتسامة زائفة واضعه كفيها علي ذراعي أسيل تقودها قائلة لوالدتها
نادين:أنا هاخدها ياطنط علي ما حضرتك تريحي
حاولت سميحة الإعتراض ولكن ياسر آشار لها بالسكوت فصمتت ولم تعلم السبب
كانت نادين تشعر بإرتجافة جسدها الغص بين ذراعيها والدموع التي تحررت من مقلتيها عندما خطت خارج الردهة في طريقها لغرفتها ولكن لم ترد أن تتحدث فقط ستتركها وهي تعلم أنها ستخبرها وستخبرها هي فقط
عندما خطت باب الغرفة...قادتها نادين برفق إلي فراشها الذي يبدو أنها لم تتعرف عليه حقاً بل لم تتعرف علي غرفتها التي عرفتها لسنوات عديدة كانت عيناها مشوشتان...أجفلت عندما شعرت بكفي نادين تحط علي يديها المرتعشتين نظرت لها بشرود
بينما قالت نادين بحب وحنان
نادين:حمد الله علي سلامتك ياحبيبتي
نظرت لها وعينيها تحملان ألف معني ولكنها ردت بكلمة واحدة
أسيل(بتحشرج):أنا أسفه
نظرت لها بعدم فهم ثُم قالت
نادين:أسفه!! علي إيه
قالت بصوت حزين وهي تنظر للأرض
أسيل:لأن لولا تهوري مكانش حصل كل دا ولا كان زمانكم تعبتم علشاني أوي كدا
إحتضنتها نادين بشدة وكلتيهما تبكيان بشدة
نادين:بطلي هبل الحمد لله إنك معانا إرتاحي دلوقتي وبكرا نتكلم
قبل أن تقوم سمعت صوتها يقول بتوسل
أسيل:هاتيلي ماما يانادين أنا عاوزاها
أومأت نادين برأسها وهي خائفة بشدة عليها فهذه ليست أسيل أبداً إنها مجرد صورة باهتة لها
كانت المياه تنهمر فوق جسدها الضئيل مثل إنهمار الدموع من عينيها العسليتين...كانت جسد بلا روح..نظرت ليديها وتذكرت أنها ربما تكون قد قتلت روح..أمسكت بسلاح وأطلقت منه علي إنسان كلما تتذكر ما حدث منذُ ساعات يزداد تساقط مطر دموعها وإرتجافة جسدها
أنهت حمامها بأعجوبة إرتدت بلوزة قطنية باللون الوردي وسروال قصير من نفس اللون ورفعت شعرها الطويل إلي أعلي
عندما خرجت من دورة المياه كانت والدتها بإنتظارها علي الفراش هبت من مكانها عندما رأتها
ولكنها قالت بصوت واهن ضعيف
أسيل:ممكن أنام في حضنك إنهرده ياماما
أدمعت عين سميحة وهي تحتضنها وتقودها للفراش وهي تقول بحنان متدفق
سميحة:طبعا ياعيون ماما..ده أنا ما صدقت إن ربنا رجعك ليا بألف سلامة ياحبيبتي
لم ترد ولكن دموعها سبقتها بالهطول...تشبثت بوالدتها وجسدها يرتجف من شدة الخوف والحزن...ظلّت سميحة تقرأ بعض أيات الذكر الحكيم علّها تهدئ من روعها قليلاً وقد كان..سكن جسدها حتي غطت في نوم عميق
.....................................
هل غبائي يغفرلي
لا؟ همممممممم حسناً
هل الحماقة إذن تُرضيك سبباً
أنا مصدومة...لا لا تنظر لي هكذا
نعم أنا مصدومة ...
فكيف بالله أحببتني..
لا أنا لا أشك بمشاعرك
أنا فقط أتعجب
أعلم الأن أنا ليست شفقة
لذا أتعجب رجلاً بكمالك
يحب شبيهة أُنثي
نعم من أنت !!
مما خُلق قلبك !
وكيف تري عيناك!
لذا أنا فقط أتعجب
وأطلب سماحاً
فهل حبي يعفرلي!!
كان جالساً في غرفته بعدما طمأنته والدته علي حال شقيقته وصغيرته أنها قد نامت هانئة ...تذكر ما قالته أسيل عمّا حدث ولكنه شعُر أنها هناك سر دفين وراء تلك النظرات الضائعة الخائفة فهي لم تقل الكثير بل لم تخبرهم شيئاً علي الإطلاق
ياسر:إنتِ كويسة ياحبيبتي طمنينا عملك حاجه إزاي جيتي وإيه اللي حصل بالظبط؟؟
كانت كل هذه الأسئلة تعصف بعقلها دون رحمة لا تعلم لها إجابة ولكنها لا تعلم لما لم تخبرهم الحقيقه التي تعلمها جيداً
ردت بصوت يحمل كل معاني الحزن ولكن بإبتسامة باهتة
أسيل:أنا كويسة الحمد لله متقلقوش...محصليش حاجة
ثُم أكملت بتحشرج.....كل الحكاية إني هنا ومعاكم وسليمة أهو ولو سمحتوا مش عاوزة حد يسأل عن اللي حصل لأني مش قادرة أتكلم دلوقتي
هكذا فقط ولم يستطع أحد الضغط عليها أكثر من ذلك نظراً لحالتها النفسية وهي لم تعطِ لهم الفرصة للسؤال أكثر فقد تظاهرت بالإعياء الشديد وأنها لا تريد التحدث بالأمر ولم يخبرها أحد أن خاطفها قُتِل وإنتهي الأمر
ولكن لم يكن ينطلي الأمر عليه بهذه السهولة حتماً هناك شيئاً أخر
أكان سيتركها بهذه السهولة !!
أجفل عندما سمع طرقات خافته علي باب الغرفة ثُم قال
مازن:إدخل
لم يتوقع أبداً أن تكون هي ولكنه تظاهر بالهدوء ربما تكون تنازلت عن عليائها وأتت لتتحدث بهدوء يناقض تصرفاتها الرعناء
مازن:إتفضلي فيه حاجة ؟
أغلقت الباب ورائها بهدوء ثُم رفعت له عينين مغشيتين بالدموع وقالت بصوت متحشرج
نادين:انا عاوزة أتعالج يا مازن...عاوزاك تساعدني...عاوزة ثقتي في نفسي وفي اللي حواليا ترجع تاني..نفسي أكون جديرة بحب اللي حواليا وخصوصاً أسيل...نفسي أبقي نادين الواثقه من نفسها قدام نفسها قبل الناس..نفسي بس أحس إني بني أدمة مش مجرد أداة للمخدرات..نفسي أحس..أحس
كانت تتحدث والدموع تنهمر من مقلتيها بشدة وجسدها ينتفض
تحشرجت أنفاسها عند الكلمات الآخيرة
كان يقف مذهولاً أمام سيل المشاعر وإنهيارها التام علي الأرض
دقات قلبه التي تقرع كالطبول وعرقه النافر في صدغه يعلنان إستسلامه لتلك الغبية التي لم تنفك تبهره بتصرفاتها...هرول إليها ممسكاً ذراعيها وساعدها علي النهوض قائلاً بصوت حاول الخروج ثابتاً علي الرغم من النبضات القارعه بصدره كانت أنفاسه الهادرة تلفح وجنتيها الساخنتين
مازن:هساعدك وهترجع ثقتك في نفسك وإنتِ جديرة بأكتر من كدا عاوزك تكوني قوية لإني عمري ما هتخلي عنك
إبتلع ريقه ثُم رفع ذقنها ناظراً لعينيها المتورمتين من كثرة البكاء وشفتيها المرتجفتين..وضع كفه الضخم يتلمس وجنتيها قائلاً بصوت مبحوح
مازن:مش لاني دكتور ولأنها شفقة مني...لإنك وبدون أي قصد وبغبائك وتهورك خليتي قلبي يدق..خليتيني أحبك
بحبك....والله العظيم بحبك يامجنونة
بحبك ياغبيه
بحبك يا أحلي بنت واكتر بنت متهورة وبترد قبل ما تفكر شفتها في حياتي
ب ح ب ك يا نادين
كانت ترتجف بين يديه كالفراشة...ودقات قلبها تهدر بين صدرها بعنف...وجنتيها مشتعلتان ولونهما كحبة الفرواله...جسدها ينتفض بشدة...عينان زائغتان..هل قالها حقاً أمام عينيها !!
هل أخبرها بحبه هكذا ودون قيود...دون حتي أن تصبح جديرة به
ماذا تفعل بي...يا إلهي هل لي حق الإعتراض بعدما أخبرني بها وجهاً لوجه وعيناه تقولها قبل شفتيه
إختتم ما أخبرها به للتو بأن جذبها لأحضانه كأنما يزرعها بين أضلعه...تلذذ بإرتعاشة جسدها وبسكونها...قرر إطلاق سراحها يكفيها هذا إلي الأن
قال بإبتسامة شديدة الجاذبية
مازن:بكرا هنروح لمستشفي واحد صاحبي ونبدأ إجراءات العلاج ومن غير ما حد يعرف متقلقيش
أومأت برأسها كالمنومة مغناطيسياً ثُم خرجت من الغرفة هرباً من عينيه المحاصرتين لها
عندما أغلق باب الغرفة إرتمي علي الفراش بإنتعاش كبير ومازالت تلك الإبتسامة الجذابة تزين وجهه...أخرج نفساً عميقاً كأنما إرتاح من حمل ثقيل علي صدره وأغمض عينيه في إرتياح
عندما عادت للغرفة التي جهزتها لها الخادمة لتبيت فيها هذه الليلة وللعجب كانت مقابلة لغرفته هو دون غيره
أغلقت الباب وهي تضع يديها المرتعشتين علي صدرها تحاول تهدئة نبضات قلبها التي ثارت عليها وأعلنت إستسلامها لهذا المازن المقتحم...لمست وجنتيها المشتتعلتين وجسدها المنتفض من فعل لمسته التي لم تدم سوي ثواني كانت تحبس بها أنفاسها حتي تكرم عليها وأطلق سراحها من آسر أحضانه
فتحت الشرفة تستنشق الهواء العليل علّها تسترجع شيئاً من توازنها الذي فقدته ثُم أغمضت عينيها وهي تتذكر الثواني بين ذراعيه القويتين
غداً ستبدأ أولي خطواتها نحو حياتها الجديدة
غداً ستكون أولي خطواتها لتصبح جديرة به
لتخبره بكل شجاعه كم تحبه..بل كم تعشقه وتريده فقط تبقي القليل
......................................
أراكِ في كل مكان
أما كان من الأفضل أن تبقي
أراكِ في كل مكان
في أكواب القهوة
علي جدران غرفتك
في طرقات الحي
الذي جمعنا ولم يجمعنا حقاً
أراكِ في وريقاتك التي تسرقينها مني
أراكِ في أعين ضحاياي
أراكِ بين أخبية الماضي
وفي صدر الحاضر الغائب
وبين أضلع المجهول
أراكِ في دخان سجائري
وفي عتمة ذنوبي
أراكِ..في علاّقة مفاتيحي
وألمح طيفك في مرآة سيارتي
إن صالحني النوم..تلفظني أحلامك وتستحضرك
أراكِ إذا تسلل النور خلسة إلي ّ
وأسمع صوتك في ضوضاء العالم
تصلني نغماته مع كل ضجيج عذب
أشتم رائحتك في أوراق الياسمين
وأتنشق عبيرك مع الجوريّ
وأزهار الجاردينيا
ياليتكِ بقيتِ وبقي معكِ الأمل
ياليتكِ بقيتِ ولم أتعذب بسرقة بقاياك
أنتظرك كل يوم علي أبواب مستقبل ليس له وجود
أنتظركِ علي أمل لقاء لن يحدث
ليتكِ لم تكوني أنتِ وياليتني ما كنت أنا!!
كان نائماً علي الأريكة بجانب فراش إبراهيم في المشفي واضعاً ذراعيه علي عينيه يغطي بهما المشاعر الغربية الطارئه عليهما
تذكر ما حدث وما فعله منذُ قليل عندما دخل علي والده الذي لم يستطع حتي أن يشعر بلمسته لان كل جسده لم يعد يستطع التحرك
كم تمنيّ لو إحتضنه بين ذراعيه كما كان يفعل معه وهو صغير
ولكن للأسف لم يحدث فقط دموع والده أخبرته بالكثير ونظرة عينيه المعاتبه كانت كفيلة بأن يضع رأسه علي قدمه وهو يقول بصوت متألم
يوسف(آسر):من غير عتاب إقرا قرآن ليا زي ما كنت بتعملي أنا وهي دايماً
تعجب من هذا الصوت الحزين المحمل بالآسي والضعف ولكنه فعل كما طلب بدأ في تلاوة بعض الأيات من سورة (يس) حتي تهدئ من هذا الجاثي علي ركبتيه واضعاً رآسه علي حجره ولم ينبت بحرف سوي الإستماع لهذه الآيات التي كانت تهزه بعنف وتجعل عيناه يخونان العهد الذي قطعه عليهما وتتبللان ببعض الدمع
أغمض عينيه بشدة مُحاولاً أن ينسي وألا يري عين كل من قتلهم بوحشية كل رجل..كل إمرأة...كل شاب تجرع مرارة الخسارة بسببه
حاول بشدة محو صورة تلك الفتاة التي أوهمها بفقد عذريتها
ها هي تقف أمامه بكل قوة وتخبره أنها لن تسامحه علي ما فعل
فتح عينيه بقوة عندما جاءت هي بكل برائتها لتأخذه بعيداً عن تلك الظلمات وهذا السواد القابع بداخله تخبره أنها بجانبه ولن تتخلي عنه أبداً مهما حدث....تذكر إرتجافة جسدها الضئيل بين ذراعيه القويتين
يا ويل قلبي بما فعلته به...ها أنت النور الذي حاول إخراجه مما هو فيه من ظلام ولكن بعد فوات الأوان فقد تعفن ولم يعد يصلح لشئ بعد الأن
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة صباحاً ولم تري عينيه للنوم طريقاً فقط تلك البراءة المطبوعة في قلبه قبل ذهنه تُقابل تلك الوحشية التي كانت بنفس المكان منذُ سنوات
دخلت الممرضة لتطمئن علي والده فقام متجهاً إليه هو الآخر
عندما ذهبت لتعد له الإفطار إقترب هو ليجلس بجانبه علي الفراش وتلمس كفيه الذان أخفت التجاعيد ملامحهما ثُم قال بصوت مبحوح
يوسف(آسر):ساحمني لاني مكنتش زي مانت بتتمني موتها واللي حصل بعد كدا..ووجودي في المكان ده غيرني أوي يمكن لو كنت جيتلك ومهربتش مكنش ده حصل..كمان ساعات قليلة يمكن متشوفنيش خالص بس فيه حد هيجيلك كل يوم هو قريب مني أوي
إدعيلي إن ربنا يسامحني لأني مليش عين أطلب منه السماح..مش عارف إذا كان ممكن يقبلها مني ولا لأ...يمكن يسامحني لو حاولت أصلح حاجة من أخطاء الماضي (إبتلع ريقه بغصة ثُم أكمل)..اللي هعمله ده علشانك قبل ما يكون علشاني سامحني لأني بحبك بحبك أكتر من أي حد في الدنيا دي يابابا
كان إبراهيم يستمع لتلك الكلمات وفقد لسانه الرد وكانت عيناه تفيض من الدمع ولم يقوي علي قول كلمة أمام سيل المشاعر المتدفق من ولده الوحيد...تمنّي لو يستطيع أن يحتضنه فيبثه بعضاً من تلك المشاعر الثائرة بقلبه..يبثه بعض الإطمئنان الذي ينشده ولكن عجزه عن الحركة منعه من ذلك..قال بصوت يفيض حزناً
إبراهيم:هدعيلك ياحبيبي وخليك دايما عارف إن ربنا رحمته وسعت كل شئ وباب التوبة مفتوح لكل إنسان مهما عمل المهم ميرجعش لذنوبه تاني...أنا حاسس إنك شايل هم كبير ومش قادر تتكلم بس أنا دايماً معاك وإوعي تقول إنك مش هتشوفني تاني إوعي أسمع منك الكلمة دي إنت اللي باقيلي بعد ما هي راحت..إنت هترجع
مدّ يديه يسمح الدمعة الخائنة التي إنهمرت من مقلتيّ والده وقبّل جبينه قبلة طالت كثيراً كأنما يودعه ولا يعلم هو متي اللقاء
إستوقفه صوت والده الحنون وهو يقول
إبراهيم:إفتح الدرج اللي جنبي ده
نفذ ما قاله والده ثُم قال
يوسف(آسر):مفيش هنا غير كتاب ومصحف صغير
أومأ إبراهيم برأسه ثُم قال
إبراهيم:هات المصحف
نظر له بعجب ثُم أعاد النظر للمصحف كيف تلمسه يداي وتدنس طهارته..كيف أستطيع أن أمسك به وأنا أعلم جيداً أني لا أستحق المساس به...أخرجه والده من أفكاره قائلاً بحزم
إبرهيم:خد المصحف يا يوسف
أخذه بتردد وهو ينظر لإبراهيم بتساؤل قائلاً
يوسف:حضرتك عاوزه!!
أشار برأسه دليل علي الرفض ثُم قال
إبراهيم:إوعدني إنه ميفارقكش لحظة واحدة وإنك تقرا فيه كل ما تحس إنك محتاج ربنا...إوعدني يايوسف
كانت دقات قلبه تتعالي بشكل مسموع وعيناه غائرتان يحاول إستيعاب ما يطلبه منه...كيف وهو لم يمس مصحف بل لم يركع لله منذ أن دخل تلك المسماه (بالإصلاحية) وتعرف علي هذا ال عُمر
كيف وهو لم يتحدث إلي الله إلا من خلالها هي ودعواتها هي له
كانت صوت إبراهيم أكثر حزماً هذه المرة وهو يقول
إبراهيم:بقولك إوعدني يا يوسف إنك مش هتتخلي عن المصحف ده أبداً مهما حصل
نظر له بعينان تفيضان حباً وحزناً وهو يقول
يوسف:أوعدك
ثُم أعاد تقبيل جبينه وكفيه المستقرين بجانبه ولم ينبت بحرف واحد بل إنطلق إلي بداية غريبة وجديده عليه ولكن بتصميم شديد أن يخوض المعركة وحده

فى جحر الشيطانWhere stories live. Discover now