الفصل العشرون

16.6K 353 4
                                    


وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..
ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ
وعدتُكِ أن لا أعودَ...
وعُدْتْ...
وأن لا أموتَ اشتياقاً
ومُتّْ
وعدتُ مراراً
وقررتُ أن أستقيلَ مراراً
ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ
.......................
شعور بالإختناق والخوف...رجفة سرت في أجسادها والضابط يطلب منها أن تخبره عن كل ما حدث وأن تصف المكان الذي كانت به ربما يستطيع القبض علي الخاطف الآخر الذي لم تكن تريد أن يُقبض عليه أبداً
بدأت تحكي ما حدث منذُ بداية حديثها مع المدعوة سالي سكرتيرة هذا الطارق...ثُم أخبرت الضابط أن الفيديو المصور ضاع بلا رجعة فقد فقدته صديقتها ربما يكون قد حصل طارق عليه ليخفي جريمته...نظر لها مازن الذي كان يحضر التحقيق معها نظراً لحالتها النفسية...كانت الدهشة واضحة علي معالمه ولكنه لم يرد تكذيبها في تلك الحالة تحديداً وفضّل الهدوء حتي تُكمل ما تقوله
الضابط:أنسة أسيل تقدري توصفي شكل المكان الآخير اللي كنتِ فيه؟؟
إبتلعت ريقها بصعوبة والدموع تتدفق بمقلتيها قائلة
أسيل:كان مكان مش نضيف زي عشة كدا المكان اللي لقيتو فيه جثة التاني هو ده اللي كنت فيه
أكمل الضابط أسئلته قائلا
الضابط:طيب ممكن تقوليلنا إيه اللي حصل بالظبط يوم ما رجعتي البيت !!
إنتفاض جسدها المفاجئ ودموعها التي تحررت من مقلتيها جعلته يطلب لها بعض الماء حتي تهدأ لتُكمل التحقيق بينما طلب مازن منه
مازن:مينفعش نأجل التحقيق ياحضرة الظابط حضرتك شايف حالتها عاملة إزاي؟
الضابط:أنا أسف يادكتور مقدرش خالص أولاً ده لسلامتها وثانياً لأن القضية دي خدت وقت أطول من اللازم وبعد اللي نزل في الجرايد طبعا طارق الحداد مش هيسيبها في حالها وهي الشاهدة الوحيدة ع اللي حصل بالأوراق اللي معاها دي
بعدما إرتشفت القليل من الماء وهدأت قليلاً قاطعت حديثهم قائلة بثبات
أسيل:خلاص يامازن أنا كويسة وأقدر أكمل التحقيق...(أكملت حديثها كاذبة وهي تجيب علي الأسئلة قائلة)
كان هو وصاحبه التاني بيتخانقو وفي خلال خناقتهم ده كان فيه مسدس واقع علي الأرض من واحد فيهم أنا مسكته وضربت الرصاص وبعدين وقع مني وجريت علي الطريق السريع وهناك لقيت عربية وقفتها وطلبت منهم يوصلوني ولما شافو حالتي كدا وصلوني من غير أسئلة
كان جسدها ينتفض بشدة والدموع تتدفق وأنفاسها تتسارع مع صدرها التي يعلو ويهبط إلي أن قام مازن قائلاً
مازن:أظن كفاية لحد كدا هي قالت كل اللي عندها والباقي شغلكم إنتوا أما طارق ده ميقدرش يهوب ناحيتها لو إنتو مسكتوه وأظن المستندات اللي معاكو كافية لكدا
كان الضابط علي وشك الإعتراض إلا أن جاءه هاتف رد عليه بإختصار قائلاً
الضابط:أيوه يافندم...طبعاً طبعاً...شاهد جديد!!...حاضر يافندم دقايق وأكون عند حضرتك
إلتقطت أذناها تلك الكلمة وتوقف قلبها عن النبض (شاهد جديد)..تُري أهو هذا الشاهد الذي يقصد!!!
أجفلت عندما سمعت الضابط يخبرها أن تمضي علي أقوالها وتذهب بسلام
أمسكت القلم بيد مرتجفه وضعت إسمها وذهبت مع مازن الذي ترك المحامي يُنهي بقية الإجراءات ويعرف ما يحدث في تلك القضية
عندما صعدت السيارة بجانبه وجدته ينظر لها كأنما يكتم غضبه الشديد ولكن الشرار المتطاير من عينيه أخبرها أنه علي وشك الإنفجار...إبتلعت ريقها بصعوبة وخرج صوتها مهزوزاً بعض الشئ وهي تقول
أسيل:مالك!!
خرج صوته غاضباً رغماً عنه وهو يقول
مازن:ليه كدبتي علي الظابط ليه يا أسيل إنتِ أخدتي الفيديو من أوضتي بس لييييييييييييييه فهميني ليه !!
كانت ترتجف بشدة والدموع تجري علي وجنتيها ولم ترد
ضرب بقوة علي المقود وشتم بصوت عالي ثُم إنطلق بالسيارة وهو مازال غاضباً ويتحدث كأنما يُحدث نفسه
مازن:نفسي أفهم بتحمي مين!! إنتِ كنتِ هتموتي وماما كانت بتموت في اليوم ألف مرة لأنها فاكراكي رحتي منها إيه اللي أنتي مخبياه علينا إنطقي يا أسيل فهميني وهل هو ده اللي حصل فعلاً !!!!
كانت ترتعد بشدة من صوته الجهوري ولم تستطع أن تتحمل أكثر إنفجرت دموعها وهي تصرخ به قائلة
أسيل:بسسسس بقي بس كفاية محدش عارف اللي أنا فيه ابوس إيدك سيبني في حالي دلوقتي كفاااااااايه
أوقف السيارة جانباً سريعاً تفاجئ من ردة فعلها الغريبة إحتضنها بشدة وهي ترتجف بين ذراعيه كالفراشة..ظلّ يهدهدها كطفلة صغيرة إلي أن سكنت آخيراً بين ذراعيه...قبّل جبينها بقوة ثُم أعادها إلي مكانها وربط لها الحزام....فرك رأسه بتعب وهو يتمتم بصوت خافت
مازن:أنا أسف بجد مكنش قصدي ياحبيبتي
إنطلق بالسيارة وقد قرر عدم العودة للمنزل الأن تحديداً بهيئتها المزرية تلك يكفي والدته ما حدث إلي الأن....ذهب إلي مقهي بالقرب من البحر ثُم حاول إيقاظها بهدوء وهو يمسك كفيها الصغيرين
مازن:أسيل حبيبتي قومي
إنتفضت مذعورة في البداية حاول أن يُهدئها قائلاً
مازن:متخافيش أنا مازن..ياحبيبتي إهدي محدش هيأذيكي طول ماأنا عايش
هدأت قليلاً بينما جسدها مازال يرتجف..حلّ حزام الأمان وهو يقول بإبتسامة هادئة
مازن:إيه رأيك في أيس كريم زي اللي كنت بجيبهولك دايماً فاكراه!!
إبتسمت بتعب وهي تومئ برأسها.....أمسك كفيها قائلاً بإبتسامة مشاكسه
مازن:أنا بس بصالحك متتعوديش علي كدا حضرتك
ربتت علي كفيه بإبتسامة
أسيل:ماشي ياسيدي موافقة
جلسوا سوياً علي الشاطئ وهي تلتهم الأيس كريم...ظلّ ينظر لها كم كانت في تلك اللحظة مجرد صورة باهتة لتلك الفتاه المفعمة بالحياة التي كانت تجري معه علي الشاطئ وتلعب وتُلطخ وجهه بالحلوي
أجفلت عندما أمسك يديها قائلاً
مازن:مش إحنا إصحاب وأنا أقرب حد ليكِ؟؟
أومأت برأسها دون أن ترد..بينما أكمل هو قائلاً بصوت هادئ يعاكس تلاطم أمواج البحر في ذلك الوقت من السنة
مازن:الصحاب مش بيخبوا حاجة علي بعض وخصوصاً لما تكوني عارفة إن صاحبك ده عمره ما هيخذلك في يوم من الأيام مش كدا!
إرتجفت يديها تحت كفيه ولكن مرة آخري لم تنبت بحرف...أخذ نفساً عميقاً وهو يكمل
مازن:ليه أخدتي الفيديو من غير ما تقوليلي يا أسيل أو حتي تتناقشي معايا أنا عاوز بس أعرف السبب
سحبت يديها من تحت كفيه ووضعت علبة الحلوي جانباً وهي تنظر للبحر والدموع تتساقط من مقليتها....وقف إلي جانبها واضعاً ذراعيه حول كتفيها قائلاً
مازن:حبيبتي متخافيش كلميني بصراحة أرجوكِ يا أسيل أنا مش متعود منك علي السكون ده
نظرت له نظرة تائهة مشوشة كأنما تطلب الدعم ولكن كيف تخبره بالله كيف!!أخذت نفساً عميقاً وردت عليه قبل أن تعود للسيارة بكلمة واحدة
أسيل:لأنه أنقذ حياتي من الموت والإغتصاب
جملة واحدة كانت كفيلة بإرتفاع ضغط الدم في أوردته...تصلب فكه وعادت شرارة الشر لعينيه مجدداً كأنه ليس طبيب وهو يُلحق بها وبفعل الصدمة لم يستطع أن يقول شيئاً (إغتصاب!!)
...................................
كانت جالسة علي هذا الفراش الواسع تتأمل تلك الغرفة الغريبة عليها منذ يومان تحديداً وهي قابعة بتلك الغرفة فراش واسع نافذة تطل علي أجمل منظر تراه عيناك...خضرة شاسعة تتواري بورودها الفراشات بخجل وتتهادي فوقها زقزقة العصافير في سربها وضوء الشمس الساطعة يُظهر كل وردة بلون مختلف يشع الأمل والنور في قلبك....وتحت النافذة يقبع مجموعة من أزهار الجاردينيا التي تبعث الصفاء علي النفس وزهور البنفسج التي تشير للحب البرئ...في ركن آخر من الغرفة كان هناك مقعد كبير بجانبه مجموعة من الكتب القصصية التي تمتد يديها لأي منها
شعرت بالخواء...نعم هذا هو التعبير لتلك الحالة التي هي عليها...ولكن يجب عليها المثابرة فقد أعطته كلمتها أن تحارب لأجله ولأجلها وستفعل هذا لأجلهما معاً...... تذكرت لحظة تركه لها مقبلاً جبينها كأنه يراها للمرة الآخيرة تركها لمصير لا تعلم إذا كانت تستطبع مواجهته بدونه أم لا!!
وبعدها تدفقت دموعها أنهاراً وظلّ جسدها يتأكل كأنما النمل يجري به وإرتعشت أوصالها إلي أن دخل الطبيب الهادئ نوعاً سحب كرسياً وجلس أمامها قبل أن يبدأ الحديث قائلاً
إياد:تحبي نشوف الأوضة بتاعتك ولا نتكلم شوية ؟؟
كان الصداع بدأ يتمكن من رآسها وهي تتلمس جبينها المتصبب منه العرق الغزير وهي تقول دون أن تنظر له
نادين:لو سمحت عندك أي حبوب للصداع ؟
إعتدل في جلسته بهدوء شديد وهو يقول
إياد:مش بحب أخد أي حبوب خلينا نتكلم الأول عنك
نظرت له بعينان حادتان وهي تفتش في جيب حقيبتها التي كادت أن تتمزق بفعل عصبيتها
نادين:مش مهم أنا أكيد معايا
كادت أن تخرج تلك الأقراص إلا أنها وجدته يسحب منها الحقيبة وهو يقول بحزم
إياد:معلش يا نادين من هتاخدي الحبوب دي ولا هتشوفيها تاني لو عاوزة تتعالجي
هتفت بقهر وهي تحاول إلتقاط الحقيبة منه ولكن طوله الفارع ما كان ليساعد أبداً
نادين:أنا حرة محدش له دعوة بيا متشكرة يادكتور
كتف ذراعيها قائلاً
إياد:مينفعش أولاً لإن ده شغلي وثانياً وده الأهم لأن صديقي بيحبك وبيموت فيكي ووصاني إني أفضل جنبك وحسب كلامه إنك وعدتيه إنك هتكوني أقوي من كدا ومش هتخذليه
كانت نظراته متحدية وجادة في نفس الوقت أما هي فكانت نظراتها مشوشة وتوقفت يديها في الهواء
جلست علي المقعد في قهر متزايد وتدفقت الدموع من مقلتيها
حلّ الصمت المطبق علي المكان عندما عاد هو بدوره لمكانه منتظراً منها الحديث......كانت تبكي بشدة وتركت لدموعها العنان بينما كانت شفتيها تقول من بين إرتجافها
نادين:أنا وعدته إني مش هخذله بس غصب عني مش قادرة دماغي هتنفجر والله مش قادرة بجد
كانت تقول تلك الكلمات وهي تمسك رأسها بين يديها وتضغط عليها بشدة علّها تتخلص من تلك الآلام التي تفتك بها
إقترب منها إياد وهو يمسك يديها في محاولة لتهدئتها قائلاً
إياد:وهو واثق فيكي أوي وعارف إنك مش هتخذليه أرجوكِ خليكي قوية علشانه وعلشانك...هو عارف إنتِ أد إيه قوية وواثق فيكي بلاش تخذليه بقي
كانت كلماته تشد من عضدها وتزرع فيها العزيمة....توقفت الدموع قليلاً ولازال إرتجاف جسدها واضحاً لديه...لامس كفيها برفق وهو يومئ برأسه بإبتسامة هادئة قائلاً
إياد:أنتِ قوية وهتقدري تتحملي صح
أومأت برأسها بتعب..قادها بهدوء شديد نحو غرفتها التي ستقيم بها تلك الفترة ثُم قال
إياد:بصي من الشباك المنظر حلو أوي الخضرة رائعة جدا وكمان في ورود تحت الشباك قدامك شوفي!!
ألقت نظرة ولكنه لاحظ توترها وتشنجها ثُم يديها التي تجري علي جسدها كأنه يأكلها بفعل النمل...نعم هو يعرف فهي تريد الجرعة الأن لقد تأخرت حقاً...لم ينبت بحرف واحد تركها تتأمل المنظر الخلاب أمامها
الخضرة الشاسعه والفراشات التي تمتص رحيقها وسرب الطيور المتسابقة وتلك القطة الصغيرة التي تحضتن وليدتها تحت الأشجار
كان منظر يخطف الأنفاس حقاً....نظرت له بوجه شاحب بشدة وشفتين زرقاوين وهي تقول
نادين:أنا مدمنة بقالي خمس سنين ومحدش يعرف غير مازن وأخته اللي هي صاحبتي...
إحتضنت نفسها بذراعيها كأنما تحمي نفسها من اللاشئ ثُم أكملت بصوت مرتجف
نادين:من فضلك عالجني وساعدني أني أكون طبيعية
إبتسم بتشجيع وهو يضع يديه في جيب سترته الطبية قائلا
إياد:إن شاء الله هتكوني كويسة بس أهم حاجة الإرادة ويكون عندك سبب تكملي علشانه وأظن الإتنين موجودين...أسيبك ترتاحي دلوقتي وتستمتعي بالمنظر الجميل دا
علي ما يبدو أنها لم تلاحظه فكان هذا أفضل إذا أنه خرج وأغلق الباب ورائه بالمفتاح فهي مازالت في البداية وربما تهرب وهي أمانة في رقبته
قام بالإتصال بمازن الذي لم يتركه إلا عندما طرده إياد من المشفي قائلاً أنه هكذا لن يساعد أبداً في علاجها
عادت بذاكرتها إلي تلك اللحظة التي تركها بها إياد وهي مازالت تنظر لنقطة وهمية تحاول بقدر الإمكان عدم التفكير في ذلك النمل التي ينهش في جسدها بالداخل وهذا الصداع الفاتك برأسها والألام التي في أسفل معدتها إلي أن خلعت سترتها السميكة وهي تلقيها علي الأرض بإهمال
تشعر كأن جسدها علي وشك الإنفجار...حرارة تجتاحه بشدة كأنها النار تحرقه بأكمله
حاولت الخروج ولكن الباب كان مغلق بالطبع ظلّت تطرق في البداية كانت طرقات هادئة إلا أنها تحولت بفعل ألامها إلي آخري صاخبة..مصطحبة بصراخاتها ودموعها التي لطخت وجنتيها حتي دخل إياد ومعه بعض الممرضات في محاولة فاشلة لتهدئتها..كانت تصرخ بهستيرية وهي تقول
نادين:أرجوكو مش قادرة هموت نمل بيجري في جسمي كله حباية واحدة
كانت تحارب الممرضات بشراسة وعيناها حمروان كالدم إلي أن تعب جسدها كليا حتي تشنج بقوة وظلّت تصرخ وتأن حتي أعطوها إبرة مهدئة
سكن جسدها آخيراً....بالمختصر تلك هي حالتها منذ يومان كل ليلة يحدث هذا الشي.........دموعها تحررت من مقلتيها فهي رفيقتها في الليالي السابقة عندما تكون مستيقظة بالطبع....معظم الوقت تكون نائمة ولم تكن لتعرف اليوم سوي أن أخبرها الطبيب (السمج) نوعاً ما بالنسبة لها لبروده وهدوءه المستفز لها....أتي ليخبرها بأنه مضي يومان علي مكوثها وأن مازن طلبه ليطمئن عليها ولم يوافق علي إعطائه لها
كانت تود لو تزيل تلك الإبتسامة اللامبالية التي يقابلها بها لما يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ولم يوافق علي حديثها مع حبيبها لأنها( مازالت غير مؤهلة للحديث)!!!!
...............................

فى جحر الشيطانTahanan ng mga kuwento. Tumuklas ngayon