الفصل السادس

19.8K 417 7
                                    

الفصل السادس

وقف عامر أمام نافذة مكتبه وهو يستعيد الحوار الذي دار بينه وبين صبا منذ عدة أيام..

ابتسم بحزن وهو يتذكر همسها بأن فريدة سألتها عنه..

فريدة.. هل ما زالت تتذكره؟.. هل تحن إليه كما يحترق شوقاً إليها؟..

هل من الممكن أن تسامحه في يوم من الأيام؟!!..

لقد هدم كل ما بينهما في لحظة حماقة.. وفشل في اختبار تمسكه بها.. استمعت أذناه لكلمات انطلقت من بين شفتيها وغفل قلبه عن صراخ روحها اليائس..

ابتسم ساخراً من نفسه.. كيف من الممكن أن تسامحه بينما هو غير قادر على مسامحة ذاته؟؟!!...

تحرك متوجهاً نحو أحد الأدراج ليخرج منه صورة حديثة لسيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها.. كانت عينيها الفضية ترمق الفضاء بنظرات غامضة بينما أحاط شعرها الداكن الشقرة بوجهها وأراحت إحدى وجنتيها على يدها وهي تبتسم ابتسامة غامضة وحزينة.. وكأنها تدرك أن صغيرتها ستمنحه تلك الصورة لتكون زاده في سنين بعده عنها..

تلمست أنامله ابتسامتها الحزينة وهو يتذكر لقاءه الأول بها..

كان ذلك منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.. وكانوا قد بدأوا بتنفيذ فكرة حاتم العبقرية بتولي أعمال الديكورات للمجمعات السكنية التي تتولى شركتهما بنائها.. فتعاقدوا مع مكتب لأعمال الديكورات لتلك المهمة وهو المكتب الذي كانت تعمل به فريدة..

كان هو مايزال يتخبط جراء فقده لزوجته وحبيبة عمره ورفيقة دربه منذ شهور قليلة فقط.. كان تقريباً يعيش على هامش الحياة معتزلاً الجميع وذاهلاً عن كل ما حوله.. فحاول حاتم معه بقوة ليخرج من تلك الحالة فقد مرت شهور وهو لا يزال يعيش في صومعة أحزانه.. فما كان من حاتم صاحب التفكير العملي إلا أن أجبره على تولي تصميم المجمع السكني الجديد الذي تعاقدوا على انشائه مؤخراً, وكذلك الإشراف على أعمال مكتب الديكورات حتى يتم تسليم الوحدات جاهزة تماماً..

في أحد الأيام ذهب لتفقد تقدم العمل بأحد الفيلات ليفاجئ بتلك الفتاة ضئيلة الجسم, قصيرة القامة وقد جمعت كتلة من الشعر الشقر تحت قبعة بيسبول ووضعت فرشاة للرسم بين أسنانها.. بينما أمسكت بأخرى وجلست القرفصاء منهمكة في رسم أشكال غريبة على أحد جدران الفيلا..

ألقى التحية بهدوء لينبهها لوجوده.. فانتفضت بشدة لتقف وتواجهه والفرشاة ما زالت بين أسنانها.. وسألته بعنف:

ـ أنت مين؟.. وبتعمل إيه هنا؟؟!!

نظر إلى مظهرها الصبياني وقال بلهجة متفكهة:

ـ أنا اللي مفروض أسأل السؤال ده.. أنتِ مين وبتعملي إيه هنا؟..

رفعت حاجباً متعجرفاً ومرسوماً بدقة وهي تسأله بسخرية متبادلة:

متاهة مشاعرWhere stories live. Discover now