الفصل السادس والثلاثون

14.8K 316 2
                                    

الفصل السادس والثلاثون

انتفض يزيد من نومه على صوت بكاء رامي فرمى الغطاء عنه وتوجه مسرعاً نحو غرفة الأطفال ليرفعه من مهده ويضمه لصدره محاولاً تهدئته ومحافظاً على اتصال بصري مستمر يطمئن به الصغير كما تعلم من علياء التي استيقظت هي الأخرى وجاءت خلفه على الفور لتراه يحاول تهدئة الصغير الباكي وقد علت وجهه تقطيبة غاضبة وبدت ملامح وجهه متوترة بقوة..

ذلك التوتر الذي صاحبه منذ أن أخبره الخبير الفرنسي بوضوح قاسي أن حالة رامي نهائية ولا أمل في المستقبل القريب لتحسن وضعه, ونصحهما الرجل بالتأقلم مع الوضع وتوفير سبل الراحة والتفاهم مع الصغير.. كانت كلمات الطبيب أقسى من أن يتحملها أي أب, ويزيد لم يكن بالأب العادي فهو مازال يخطو خطواته الأولى بمضمار الأبوة.. يصاحب ذلك احساس هائل بالذنب نحو صغيره..

احساس لا يعرف مصدره تماماً.. هل هو سوء اختياره لوالدته أو حرمانه من تلك الأم, كما أخبرته والدته منذ عدة أيام وهي تصر على عدم قدرة علياء على المساواة بين أطفالها وابن ضرتها المعاق..  كلمات مازالت ترن في أذنيه رغم استنكاره لها لحظتها, لكن ها هي الأيام تثبت صدق اعتقاد والدته فعلياء نائمة بينما رامي بُح صوته الذي لا يملكه أساساً من البكاء.. و..

قاطع صوت علياء تسلسل الأفكار الخبيثة بذهنه وهي تقترب منه لتحمل رامي وتضمه إلى صدرها ليتناول رضعته الليلية وهمست بخفوت:

ـ حبيبي الصغير صحي بدري ليه؟.. كبرنا وبقينا نجوع بسرعة ولا ايه!..

جلست على مقعدها المعتاد وهي ترضع أطفالها غافلة عن معالم الغضب على ملامح يزيد الذي لم يستعد توازنه بعد تيقنه من أن إعاقة ابنه دائمة وبات شديد الحماية والالتصاق بكل ما يخصه لذا انطلق إتهامه لها على الفور وخرجت كلماته بدون أن تمر على عقله المشغول بكلمات أمه السامة:

ـ عايزة تفهميني أنه يهمك بجد وقلقانة عليه!.. لو ده صحيح ليه كنتِ نايمة وهو مفلوق من العياط؟!!!

رفعت علياء عينين مذهولتين ملئهما نظرات عتاب صارخة فهو منذ عادا من باريس وهو في حالة عصبية متفجرة وهي تقدر حالته النفسية تماماً وتتحمل عصبيته الزائدة وتصرفاته التي أنزلتها من سماء عشقه إلى جنون غضبه.. تقدر حزنه الأبوي والألم الذي يمزق روحه وهو عاجز عن مساعدة طفله ومحاولته الخرقاء لحماية الصغير من مجهول يترصده.. كل ذلك تستطيع استيعابه فهي نفسها تتألم من أجل الصغير وتوليه كل اهتمامها ولكن أن يتهمها ذلك الاتهام الجائر فهذا ما لن تقبله.. ولن تتحمله أبداً..

رمقته بنظراتها العاتبة وأكملت ارضاع الصغير حتى اكتفى تماماً ثم تحركت بهدوء غاضب تحت نظرات عينيه الحائرة لتقوم بتغيير الحفاظ لرامي وتهدهده حتى راح في سبات عميق.. فدثرته بعناية قبل أن ترمق يزيد بنظرة غاضبة وتطفئ نور الغرفة وتتجه إلى غرفة نومهما يلفها صمت غاضب حزين بينما هو غارق في حيرته وأفكاره المتخبطة بشأن مستقبل الصغير ليفاجئ بصوت "أم علي" تناديه بهدوء وهي تقف على عتبة الغرفة:

متاهة مشاعرWhere stories live. Discover now