الفصل الثالث

6 1 0
                                    


الفصل الثّالث: الإمام الكاظم (عليه السلام) وحكومة المهدي العبّاسي

 

ملامح عهد المهديّ العباسيّ

 

ويمكن أن نوجز ملامح حكومته وعهده فيما يلي:
أولا: لم يطرأ على سياسية الخليفة العبّاسي المهدي أيّ تغيير يعول عليه، فقد التزم بالنهج العبّاسي كخط ثابت واستوحى منه ما يجب أن يعمله من تفصيلات قد تستحدث أثناء سلطته، وسار على ما سار عليه الخلفاء العبّاسيون من قبله، نعم طرأ بعض التغيير لصالح العلويين بعد ذلك التضييق الشديد من المنصور على العلويين فكانت مصلحة الحكم تقتضي شيئاً من المرونة، الأمر الذي دعا الإمام(عليه السلام) أن يستغل هذه المرونة التي اتّخذها المهدي العبّاسي لصالح أتباعه وتوسعة نشاطه ومحاور تحرّكه.

ثانياً: إنّ المرونة التي طرأت على سياسة المهدي العبّاسي مع العلويين كانت في بداية حكمه وتمثلت فيما أصدره من عفو عام عن جميع المسجونين وفي ردّ جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة والتي كان قد صادرها أبوه ظلماً وعدواناً إلى أهلها، فردّ على الإمام موسى الكاظم(ع) ما صادره أبوه من أموال الإمام الصادق(عليه السلام). ثالثاً: بعد أن نشط الإمام(ع) وذاع صيته خلال حكم المهدي استخدم المهدي سياسة التشدد على الإمام موسى الكاظم(ع)، فلقد استدعاه إلى بغداد وحبسه فيها ثم ردّه إلى المدينة(قرب الإسناد: 140 ، البحار: 48 / 228 ح 32 وأخرجه المالكي في الفصول المهمة: 216 والشبلنجي في نور الأبصار: 165.).
وكان ذلك في أواخر حكم المهدي تقريباً. كما خطط في هذه المرّة لقتل الإمام عن طريق حميد بن قحطبة، حيث دعا المهدي حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إنّ إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف. فقال: أفديك بالمال والنفس، فقال : هذا لسائر الناس. قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يجبه المهدي. فقال أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين فقال: لله درّك. فعاهده المهديّ على ذلك وأمره بقتل الإمام الكاظم (ع) في السُحرة(السُحرة بالضم: السحر.) بغتة، فنام فرأى في منامه علياً يشير إليه ويقرأ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)( محمد (47): 22.). فانتبه مذعوراً، ونهى حميداً عمّا أمره، وأكرم الإمام الكاظم(عليه السلام) ووصله(المناقب: 4 / 325 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 139 ح15 ، تاريخ بغداد: 13 / 30 ، وعنه في تذكرة الخواص: 313 ووفيات الأعيان: 5 / 308.).

رابعاً: شجّع المهدي الوضّاعين في زمنه فقام هؤلاء بدور إعلامي تضليلي فأحاطوا السلاطين بهالة من التقديس وأبرزوهم في المجتمع على أنهم يمثلون إرادة الله في الأرض وأن الخطأ لا يمسّهم فمثل غياث بن إبراهيم الذي عرف هوى المهدي في الحَمام وعشقه لهافحدّثه عن أبي هريرة أنه قال: لا سبق إلاّ في حافر أو نصل ـ وزاد فيه ـ أو جناح. فأمر له المهدي عوض افتعاله للحديث بعشرة آلاف درهم، ولمّا ولّى عنه قال لجلسائه: أشهد أنه كذب على رسول الله (ص) ما قال رسول الله ذلك ولكنه أراد أن يتقرب إليَّ (تاريخ بغداد: 2 / 193.).
وأسرف المهدي في صرف الأموال الضخمة من أجل انتقاص العلويين والحطّ من شأنهم فتحرّك الشعراء والمنتفعون وأخذوا يلفّقون الأكاذيب في هجاء العلويين ومن جملة هؤلاء الزنديق مروان بن أبي حفصة الذي دخل على المهدي ذات يوم وأنشده قائلاً:

موسى ابن جعفر الكاظم عليه السلام اعلام الهداية الهداية الجزء التاسع :- مكتمل -:Where stories live. Discover now