4 - اصمت واحتضنى !

9.3K 188 5
                                    

أصرت آنا على الذهاب مباشرة الى السريرعندما رجعا الى المنزل رغم أن الساعة لم تكن قد تجاوزت التاسعة الا بقليل . ان رفض أوليفر التشكيك فى صحة اتهامه لها ، واعتقاده جازما أنها قدمت المال بغية تحقيق مآرب شخصية ، جرج آنا فى الصميم بحيث باتت تتجنب تعريض نفسها لمزيد من تلك الاتهامات . أرادت أن تمضى معه أقل ما يمكنها من وقت.
سمعته يصعد السلالم الى الطابق العلوى بعد منتصف الليل بقليل، وسمعته يتريث عند باب غرفتها. فانتظرت وهى تتساءل ان كان سيفتح الباب ويدخل . راحت دقات قلبها تعلو وتعلو الى أن أصمت أذنيها،مترافقة مع دقات الثوانى والدقائق.
لكنه تحرك أخيرا، لحسن حظها . ثم سمعت صرير باب غرفة النوم وهو يغلق، كان دوما يصدر هذا الصرير وقد وعدا نفسيهما باصلاحه. حينها فقط أدركت أنها كانت تحبس أنفاسها طيلة الوقت .
ماذا تراه جال فى ذهنه وهو واقف خارج باب غرفتها؟ تمنت لو تقنع نفسها بأنه أراد بشدة الدخول والتعبير لها عن حبه العميق كما يفعل فى السابق بلهفة وحماس شديدين. لكنها أدركت أن الامور لن تعود الىسابق عهدها، فذاك الجزء من حياتها قد طويت صفحته الى الابد.
هل علمت حقا فى يوم من الايام ماالذى يجول فى رأس أوليفر؟ هل كان مسرورا أم آسفا لما آل اليه زواجهما من نهايةحزينة؟ هل ينوى المباشرة باجراءات الطلاق ما أن تنتهى الجنازة ؟ أم أنه نادم بشدةعلى أنفصالهما لكن كبرياءه وعنفوانه يمنعانه من التراجع عن موقفه؟
عندما لم تنزل آنا لتناول الفطور،أحضرت السيدة غرين صينية الطعام الى غرفتها وقالت : - أنها أوامر أوليفر. يجب أن تأكلى شيئا. قال انك بالكاد لمست عشاءك ليلة أمس .
تثاءبت آنا وهى تجلس فى سريرها نعسة، وقالت : - أنت لطيفة للغاية يا سيدة غرين .
ثم رفعت الغطاء عن الطبق وشهقت حين رأت كمية الطعام المتنوع من البيض المخفوق الى اللحم الى الفطر والخبز والعسل والزبدة والمربيات .
- لكني لن أستطيع تناول كل ذلك !
فقالت مدبرة المنزل بحرارة ودفء:
-لقد فقدت بعض الوزن.أراهن على أنك لم تأكلى جيدا منذ مدة طويلة. والان تناولى فطورك كالفتيات الجميلات. سأضع لك فنجان شاى على الطاولة، هل أسكبه لك ؟
- أستطيع تدبر أمرى . شكرا لك .
وما أن غادرت السيدة غرين الغرفة حتى دخل أوليفر. كان شعره لا يزال رطبا بعد الحمام، ويرتدى بنطالا أسود وقميصا حريريا أبيض . بدا هزيلا وشاحبا فاعتصر قلبها لرؤيته بهذه الحال. قال: - هل أحضرت لك السيدة غرين ما أمرتها به ؟
- هذايتعلق بما أمرتها أن تحضره .
- لم تأكلى ما يكفى ليلة البارحة، ولم تنزلى لتناول الفطور هذا الصباح، ولم يبق على موعد الجنازة الا ساعة واحدة. أى لعبة تحاولين أن تلعبى معى؟
شعرت آنا بخوف لم تعرف له سببا :
-لم أدرك كم أن الوقت متأخر لم يعد أمامى الوقت الكافى لتناول الفطور . سأقوم بـ...
لكن أوليفر كان حاسما :
- تناولى طعامك. لا أريد أن يغمى عليك فى الجنازة .
- شرط أن تغادر الغرفة. فلا أستطيع تناول فطورى وأنت تراقبنى بهذه الطريقة .
لكن ما كان يربكها هو النظر اليه والى عينيه المشعتين.
كان الناس كلهم مجتمعين فى المقبرة، أفراد العائلة والاصدقاءوزملاء العمل، الكل كان حاضرا يشارك أهل العزاء حزنهم حين لاحت من بعيد امرأةفارعة القامة، أنيقة المظهر، نحيفة، رشيقة فى بزتها السوداء وقبعتها التى تظلل وجهها، وراحت تشق طريقها نحوهم .
لم تكن لدى آنا أى فكرة عن هويةالمرأة التى وصلت متأخرة، لكنها رأت أقارب أوليفر، خاصة المسنين منهم، يتغامزون ويتهامسون من دون أن يبتسم للمرأة أى منهم أو يلقى عليها التحية .
كان أوليفر آخر من رآها ، وعندمافعل، لاحظت آنا أن عينيه ضاقتا بحدة وشهق تحت وطأة المفاجأة. وحين نظرت الى يديه،كانتا منقبضتين بتوتر شديد. الا أنها لم تعرف من تكون المرأة الا بعد عودتهم الى المنزل .
كانت السيدة غرين، بمساعدة مدبرةمنزل السيد ادوارد قد أعدتا أصنافا عديدة من الاطعمة للحاضرين. وقفت آنا الى جانب أوليفر قرب الطاولة بينما شرع الباقون بتناول الطعام .واذا بالمرأة التى أحدثت كل تلك الجلبة والتوتر، تظهر فجأة أمامهما .
قالت بصوت أبح وشفتاها المغريتان يعلوهما ما يشبه الابتسامة :
- أوليفر يا لك من رجل وسيم أنيق، أنت لا تعلم بالطبع من أكون، لكن ...
أجابها بصوت متشنج قاس :
- أعلم من تكونين . ماأرغب فى معرفته هو السبب الذى أتى بك الى هنا .
مررت المرأة أصابعها ، بأظافرها المطلية باللون القرمزى على ذراعه بنعومة. وقالت:
- ما الذى كان يقوله ادوارد عنى؟جئت لأقدم تعازى الحارة بزوجى الراحل . ما من جريمة فى ذلك، أليس كذلك؟ .
شعرت آنا بثغرها ينفتح واسعا، فقد قيل لها ان والدة أوليفر توفيت . كيف يعقل أن تكون هذه والدته ؟ لكن مجرد النظر اليها كان كافيا لترى الشبه الكبير بينهما ، خاصة أنفها الدقيق المستقيم وشحمتى أذنيها الظاهرتين. فى الواقع كان أوليفر يشبه والدته أكثر من والده .
أجابها أوليفر بهدوء:
- باستثناءأنك لم تعودى زوجه ادوارد .
ابتسمت المرأة ، وشفتاها الزاهيتان تنبضان بالشر :
- ألم يخبرك والدك يا عزيزى ، بأننا لم نتطلق قط؟ أعلم أن ذلك يرجع الى ثلاثين سنة خلت، لكننا بطريقة ما لم ننهى الامر. لم أتزوج ثانية، تماما كادوارد لذا تركنا الامور كما هى عليه ، تعلم كيف .
- لا .أخشى أنى لا اعرف كيف . وأظن أنه من الافضل لنا جميعا أن تغادرى المكان فورا.
لكنها ابتسمت وقالت :
- لا أستطيع المغادرة، يا أوليفر. أريد أن أسمع الوصية. الا ان كنت تعلم مسبقا ما تحتويه ؟
أرغم أوليفر على الاعتراف بجهله بما فى الوصية :
- سيأتى محامى والدى بعد ظهر اليوم لقراءتها.
- ظننت أن الامور يجب أن تسير على هذا النحو. فقد كان لإدوارد آراء تقليدية حول العديد من الاشياء ... لم لا تقدمنى الى .. زوجتك حسبما اظن؟
قام أوليفر بذلك بنفور وثقل .وصافحت آنا يد المرأة المثلجة، لكن ما ان تركهما لتختلط بالاخرين حتى سألته آنارغما عنها :
- أوليفر كنت أظن أن والدتك توفيت عندما كنت صغيرا ؟
أعترف أوليفر بتجهم :
- كانت لديها نوايا محددة وأهداف .. هذا ما كان والدى يرغب فى اعتقاده. فقد هجرته روزمارى بعدماخسر أمواله فى صفقة فاشلة. قالت انه لا ينفعها فى شئ من دون أمواله. انها مشكلةالمال مجددا !
- وأنت تذكرها جيدا ؟
- احتفظت بصورة لها، كما رأيتها فى مجلة التايمز في أخبار المجتمع. فهى نادرا ما تبقى من دون رجل .
- هل تعتقد حقا أنها ووالدك لم يتطلقا قط ؟
- هذا ماأنوى أن أسأل شارلز ميلر عنه، فأنا أظنها كاذبة انها تعرف مدى اتساع ممتلكات والدى. وقد حاولت مرة أو مرتين خلال تلك السنوات أن تعود اليه مجددا لكن من دون جدوى.
- لايبدو وكأنها تعانى من نقص فى الاموال. فهذه البزة التى ترتديها من تصميم أكبر دور الازياء العالمية. لعلنا نظلمها؟ لعلها أتت لتقدم تعازيها ؟
- أرغب فى تصديق ذلك . لكنى لا أظن ذلك صحيحا.
فى وقت لاحق، سألته آنا بهدوءبعدما جلس الجميع فى غرفة المكتب بانتظار سماع الوصية :
- ماذا قال شارلز بشأن والدتك؟
فأجاب :
- لم يحصل أى طلاق. يبدو أن والدى ضن أنه ينتقم من روزمارى بعدم منحها الحرية لتتمكن من الزواج برجل آخر .
لطالما كان اسم روزمارى محرم ذكره فى منزل آل لانغفورد وكان ادوارد فى المقابل يصب جام غضبه على الطفل الذى تركته وراءها .أمسكت آنا يد أوليفر بتعاطف ليس الا، لكن شعورها ما لبث أن تحول الى نار استعرت فى أعماقها وراحت تتأجج شيئا فشيئا الى أن كادت تختنق هى وأوليفر سويا. كيف يمكن للمسة بسيطة أن تسخر من تصميمه وعزمة على أنهاء هذا الزواج؟ فقد أثبتت أنهاليست بأفضل من روزمارى أو ميلانى. ما خطبه؟ لم هو عاجز عن طردها من قلبه وفكره وحياته ؟

إغواء الزوجة !Where stories live. Discover now