8 - تقاوم . . . تقاوم !

9.9K 183 4
                                    

عجز أوليفر عن وصف ما تعج به نفسه من مشاعر عندما رأى جهاز اخبار الحمل . كانت الصدمة فى البدء شديدة، صدمة كبيرة وتامة . أخذ يحدق فيه لدقائق عديدة وقلبه يخفق بعنف بين أضلاعه، قبل أن يخطر له أنه ربما أحد الأشياء التى خلفتها شقيقة آنا وراءها.
لكنه قد يكون مخطئا .لعل آنا هى من استعمله!
أخذت تداعب ذهنه فكرة آنا وهى تحمل طفلا فى أحشائها ، طفله هو فأسبغت عليه دفئا أبويا خاصا وسعادة لم يختبرها من قبل.
ما ان نزلت آنا السلالم الى الطابق السفلى ، ونظر فى وجهها وفى علامات الانهاك والمرض البادية على خطوطه، حتى علم أنها حامل . بدا الشحوب جليا على وجهها فى الليلة السابقة ، لكنه عزا ذلك الى التعب حينها ، لكن الامر مختلف تماما الان .
كان قد لحق بها بهدوء الى الحمام وسمع غثيانها ، فنزل حينها الى المطبخ وتخلص من أى شئ قد تسبب لها رائحته الغثيان .
ان كان هناك من شئ قادر على إعادة إحياء زواجهما وعلى جمعهما سويا، فهو هذا بالتأكيد. الا أنه لم يكن مستعدا لمواجهة رفضها العودة معه الى المنزل .
قالت ان ذلك سيضعهما فى وضع مستحيل يصعب احتماله، وهو يتفهم طريقة تفكيرها. لكن عليه الان العثور على طريقة ما أو أى شئ يقنعها بالعودة معه . وما إن يصل بها الى المنزل حتى يباشر العمل على التقرب منها مجددا، وأقناعها بأنه لن يخذلها مرة ثانية ، وبأن ما فعله هو أكبر خطأ ارتكبه فى حياته، وبأن حملها هو أجمل ما قد يحدث لهما قط .
قد تكون المهمة طويلة وشاقة ، الا أنه مغرم بآنا من رأسه حتى أخمص قدميه ، وهو مستعد لبذل أى جهد من أجل انقاذ زواجهما.
- لا يمكنك البقاء هنا وحدك ، يا آنا. ليس فى حالتك هذه.
برقت عيناها بلون أخاذ خلاب :
- لن يستمر الشعور بالغثيان طويلا، فلم لا يمكننى البقاء ؟.
كانت تشع جمالا وتنضح حيوية ، وبدت شهية جدا بحيث راح يتساءل عن مدى غبائه عندما عرض زواجهما للخطر باتهامها بارتكاب جرائم كان يعلم مسبقا أنها غير قادرة على ارتكابها .
- أريدك فى المنزل لأنك زوجتى . أريد أن أرعاك وأهتم بك وأساعدك فى كل شئ .
- أهو أهتمام متأخر يا أوليفر ؟ هل نسيت أنك أنت من زاد الأمور صعوبة لى ؟
- تظنين أنى لا أعلم ذلك ؟ تظنين أنى سأتمكن من تخطى الامر لما تبقى من حياتى ؟
أدرك أوليفر أن الالم الذى يعتصر قلبه ظهر جليا فى صوته . أرادها أن تسمعه وأن تعرف أنه آسف ونادم حقا على ما فعله :
- آنا ، أريد أن أعوضك عما فات ، يجب أن تمنحينى هذه الفرصة .
رأى الطريقة التى نظرت بها اليه ، بريق النقمة يسطع فى عينيها ليتحول الى تردد واضح عندما التقت عيناهما. لكنها عادت وأخفت ترددها سريعا مخافة أن يلاحظه أوليفر .
اجتاح مشاعره نبض الامل ، فهى ليست منيعة أمامه كما تحاول أن تفهمه. لم يكن ما رأه سوى شرارة واهنة خافتة، الا أنها ملأى بالامل. لم تمت رغبتها الحارقة ، لم يقتلها بعد ، وان كان سيمضى حياته كلها فى تغذيتها واعادتها الى الحياة مجددا ، فانه لن يتردد مثقال ذرة .
حاول الضغط على نقاط ضعفها :
- آنا أعدك بألا أتسببلك بالاذى مجددا . أنه طفلنا الذى تحملين بحق السماء، وقد خلق بفعل الحب . هل سيسمح لك ضميرك فى أن تنكرى على الطفل والده وتحرميه منه ؟
أراد أن يتابع كلامه ويعدها بتوفير كل ما يلزم لراحتها هى وطفلها، الا أنه تدارك الامر مخافة أن يجره ذلك الى التطرق الى موضوع المال مجددا، وهذا ما يريد تجنبه بأى شكل كأنه الطاعون .
- لاشأن لضميرى فى الامر ، يا أوليفر . فأنت من جعلنى أشعرعلى هذا النحو. لا يمكنك أن ترمى الاتهامات بطريقة اعتباطية، ومن ثم تتوقع منى أن أرتمى بين ذراعيك فى اللحظة التالية كما لو أن شيئا لم يحدث.
- أعلم ذلك . لكن ، الا تظنين أنى نلت عقابى ؟ لست الوحيد الذى يحتاج اليك، هناك طفلنا أيضا.
تحدثا مرات عديدة فى الماضى عن أنشاء عائلة ، رغم أنهما لم يخططا للبدء بهذه السرعة . كما اتفقا على أن الطفل يحتاج كلا الوالدين، وقالا انهما فى حال وقوع المحظور وانهار زواجهما، سيبقيان سويا لصالح أولادهما وخيرهم ،أتراها نسيت ذلك؟
أخذت آنا نفسا عميقا وأغمضت عينيها لثوان عديدة طويلة . بدت وكأنها تفكر فى كلامه، فأضاء بريق الامل فى نفسه ، لكنها تكلمت، ولم يكن ذلك ما أراد سماعه :
- أنا آسفة يا أوليفر، لن ينجح الامر بيننا .
- بإمكاننا انجاحه لا أستطيع مواجهة الحياة أو تصورها من دونك أنا لا أستخدم الطفل لأبتزك ولأحقق من خلاله غرضى ... حسنا ، ربما بعض الشئ ... لكنى بحاجة اليك ايضا . فأنت تمثلين العالم كله بالنسبة الى . لقد مر اليومان الأخيران بسواد وظلمة لم أشهدهما من قبل فى حياتى .
- أوليفر لقد سبق لى أن فكرت بالامر مليا مرات عديدة . لا أعرف كيف سأتمكن من العيش مع رجل لا يثق بى ، بل يشكك بى دائما . لن ينجح ذلك . سأظل دائما بانتظار المرة المقبلة .
- لن يكون هناك أى مرة مقبلة .
كان يعدها بصدق والثقة بادية فى صوته . وقد آلمه جدا أن تفكر فيه بهذا الشكل ألم تكن اعتذاراته كافية ؟ ألم تصدقه؟ ما عساه يقول أكثر من ذلك؟
هزت آنا رأسها :
- من السهل عليك قول ذلك يا أوليفر لقد اكتشفت جانبا من شخصيتك ، لم أعرف قط بوجوده ، وهو جانب لا أحبه البتة . هل أنت حقا لا تعلم كيف أشعر ؟ لم أسرق فى حياتى كلها فلسا واحدا لقد جرحتنى واهنتنى وجعلتنى أشعربنفسى حقيرة ووضيعة ورغم ذلك تتوقع منى الان أن أعود اليك وأشاركك المنزل والحياة ، وأعرض نفسى لمواقف مذلة مشابهة ، لأنى أحمل طفلك وحسب . ليس الامر صحيحا، يا أوليفر لن أقوم بذلك .
انطفأت شرارة الامل الواهنة . لم يسبق له أن رأى آنا بهذا القدر من التصميم والعناد ، وهذا القدر من الجمال الأخاذ الفاتن الذى يمنحها اياه غضبها .
أراد أن يحملها الى غرفة النوم ويعبر لها بشكل ملموس لا لبس فيه عن مدى حبه ورغبته فيها ، كما كان يفعل فى أيام زواجهما الأولى . هل سيساعده ذلك ؟ أتراها توافق على ما يطلبه وهما ملتصقان أحدهما بالاخر بنهم وشغف ؟
لكنه كان يعرف أن الابتزاز العاطفى ليس الجواب الشافى أو الدواء الناجع يجب أن تعود آنا الى المنزل وهى مقتنعة بأن ما تفعله هو الأفضل ، وهو لخيرها هى والطفل .
صب لنفسه فنجانا أخر من القهوة وهويفكر فى ما سيقوله تاليا ولاحظ أن آنا لم تلمس بعد قطع الخبز المحمص أو الشاى الذى أعدته أيضا.
- كيف لى أن أثبت لك أنى لن أكرر ما فعلته قط فى حياتى ، ان لم تمنحينى الفرصة؟
كان مستعدا للركوع على ركبتيه أمامها ليرجوها أن توافق، ان عرف أن ذلك سيساعده . لم يسبق له أن وضع فى مثل هذا الموقف من قبل ، فهو قادر على أيجاد الحلول لمشاكله أيا تكن ، لكن الامر يختلف مع آنا الشديدة العناد ..
- ربما كان يجدر بك أن تفكر فى ذلك قبل أن تتفوه بادعاءاتك واتهاماتك.
- كأنى لم أفعل هذا آلاف المرات ، آنا ..
مال الى الامام بسرعة والتقط يدها ثم أضاف :
- ... لاأريدك أن تمرى بهذه المرحلة وحدك . أريدك أن أظل الى جانبك وأن أشاركك هذه اللحظات . أنت بحاجة الى . لا تقولى لى انك تتوقين الى البقاء وحيدة خلال هذه الاوقات التى يفترض بها أن تكون الاكثر اثارة والاشد متعة فى حياتك ؟
أغمضت عينيها لتقصيه عن ناظريها وتمنعه من رؤية ما تفكر فيه . لكنه كان متاكدا من نجاحه فى التأثير عليها . فهى على الاقل لم تنتزع يديها بعيدا عن يديه .
- ماذا سيحدث ان ألم بك المرض والوهن وأنت تعيشين وحدك؟ مع هذا الغثيان الذى أصابك هذا الصباح، أنت بحاجة الى من يلازمك ويمد لك يد المساعدة . آنا أرجوك أن تعودى معى ... وان يكن ذلك مؤقتا فقط الى أن يولد الطفل . على الاقل أعط نفسك واعطنى فرصة لأثبت لك أنى أحبك بصدق وأنى لن أتسبب لك بالاذى مرة ثانية .
فتحت عينيها ببطء ، فظن وهو يحدق فيها أنه رأى شيئا من التردد يسبح فى غورهما . تابع :
- بعد أن يولد الطفل ... اذا قررت أنك لا تحتملين العيش معى تحت سقف واحد سأدعك تذهبين .
رغم أنه كان يأمل فى الا تضطره للتفوه بتلك الكلمات. لكن أمله الحقيقى هو فى أن يسمح له الوقت بأن يثبت لها حسن نواياه . فكيف يمكنه أن يتخلى بسهوله عن المرأة التى يحبها أكثر من الحياة نفسها ؟
سيقوم بكل ما يلزم ليبرهن لها بكل الوسائل الممكنة أن حبه لها مخلص وصادق، وأنه يثق بنواياها الحسنة فى كل شئ.
- إن أنا أتيت معك .. وأقول ان ، فسيكون ذلك بشرط واحد .
بدا له أنه يستمع الى موسيقى أطربت أذنيه بنغماتها العذبة :
- سمه لى .
كان واثقا من نفسه ، فما من شئ فى هذه الدنيا أسوأ من عدم مجيئها معه.
- أن نستمر فى النوم فى غرفتين منفصلتين. سيكون زواجا بالاسم فقط، من أجل الطفل .
لم يكن هذا هو الجواب الذى أراد سماعه، لكنه أفضل من لاشئ آلمه جدا الا تكون راغبة فى مشاركته غرفة نومه وسريره. لكن مع قليل من الامل ستغير رايها وموقفها ما أن تدرك مدى عمق مشاعره نحوها وصدقها.
أومأ برأسه ببطء قائلا :
- أذا كان هذا ما تريدينه حقا .
- أنه كذلك .
علمت آنا أنها لابد فقدت عقلها بقبولها طلب أوليفر. لكنها لم تستسغ فكرة المرور بتجربة الحمل وحدها . وقد علم أوليفر هذه الحقيقة ... كان الحمل يخيفها . لعل كل الامهات الحديثات يشعرن مثلها .
بالرغم من انهيار الثقة بجميع أشكالها ودرجاتها بينهما ،الا انها ولدهشتها ، لاتزال تحبه. لن تدعه يدرك هذه الحقيقة رغم الصعوبة التى ستعانيها لأخفائها عنه .
وصلا الى المنزل فى ساعة متقدمة من الليل. لم تشأ آنا الاعتراف بذلك، الا أنها شعرت بالفعل بأنها فى بيتها عندما دخلت الى المنزل .
لقد أمضيا هنا ستة أشهر مفعمة بالسعادة ، فكان الجو عابقا بطيب الحب الذى خيم فيه فى يوم من الايام .انه لمن المؤسف حقا أن يهدم أوليفر كل ما بنياه سويا .
وضع أوليفر حقائبها فى الغرفة التى كانت تشغلها عندما سكنت هنا فى المرة الاخيرة . وسألها باهتمام ظاهر :
- أهذا ما تريدين؟ ليس عليك أن تنامى هنا ، تعلمين ذلك أنا افضل أن ...
فقاطعته بثقة بالغة :
- هذا ما اريده .
- هل أساعدك فى توضيب أغراضك ؟
- لا شكرا . استطيع القيام بذلك بمفردى .
- اذن ، سأطلب من السيدة غرين أن تحضر لنا كوبين من العصير الطازج وشطيرتين.
هزت آنا رأسها :
- لا تزعج نفسك من أجلى ، فانا متعبة جدا . سآوى الى الفراش على الفور .
قطب أوليفر جبينه وتجهم وجهه :
- هل أنت بخير ، يا آنا ؟ كان يوما طويلا وشاقا ، أعلم ذلك . هل أنت متأكدة من ...؟
بدا الانزعاج واضحا فى عينيها :
- أوليفر .. أنا متأكدة جدا . كل ما أريده الان هو الخلود الى النوم
كانت الليلة السابقة ليلة شاقة خيم عليها جو من التوتر المشحون منعها من النوم طوال الليل ، فظلت تحدق فى الظلام وهى تتوقع أن يدخل أوليفر الى غرفتها فى أى لحظة . والحقيقة أنها ما كانت لتستطيع ابعاده عنها . فمهما يملى عليها عقلها من تحليل منطقى ، الا أن قلبها كان يدفعها الى عكس ذلك .
أما أوليفر ، فقد عانى هو ايضا من الارق طوال الليل . وقد سمعته آنا ينزل السلالم الى الطابق السفلى بعد الثانية من منتصف الليل ، وكادت أن تلحق به ، امله فى أن يساعدها على النوم فنجان من الحليب الساخن .الا أنها قررت فى النهاية ألا تفعل ، فالمجازفة كبيرة جدا.
كانت مشاعرها كلها متلهفة اليه بحيث ستنتهى بين ذراعيه. وبم سيفيدها ذلك؟ لعله سيظن أنها سامحته ، فى حين أنها لم تفعل . وهى تشك فى أن تقدر على ذلك يوما.
لكن ، أتراها تنام الليلة بالرغم من التعب الذى تعانى منه ؟
طبع أوليفر قبلة رقيقة على جبينها المنهك وقال:
- سأتمنى لك ليلة هانئة ونوما عميقا ، ياآنا . أن احتجت لأى شئ ليس عليك سوى ...
- أرجوك اذهب ، يا أوليفر . انا بخير حقا ، متعبة قليلا فقط . كف عن ازعاجى .
ابتعد عنها رغما عنه ، فأرتمت آنا على السرير بكامل ثيابها. هل ارتكبت خطأ جسيما حين سمحت له باقناعها بالعودة الى هنا ؟ هل سيقوم برعايتها والسهر على راحتها كالام الحنون ؟
أغمضت عينيها ليس هذا ما ارادته ، ارادت أن تبقى بمفردها ، ارادت أن تتصرف حسب طريقتها هى من دون أن تسمح له بالتدخل والازعاج . فقد أضاع كل حق له بأن يكون زوجا لها ، ستوضح له غدا هذا الامر بشكل نهائى .
استغرقت آنا مباشرة فى نوم هانئ عميق، استيقظت خلاله بضع مرات وهى تشعر بحاجة ملحة للدخول الى المرحاض. وشكرت السماء على وجود مرحاض داخل غرفتها ، فلو كان عليها السير فى الممر فى كل مرة ، لخرج أوليفر لملاقاتها على الفور .
ارتجفت من البرد وهى ترمى بثيابها جانبا وترتدى ثياب النوم . لكنها ما ان عادت واندست تحت الغطاء الدافئ حتى غطت فى نوم عميق .
فى الصباح التالى ، ايقظتها السيدة غرين وهى تحمل لها الشاى وبعض قطع البسكويت :
- كلى هذه يا عزيزتى ، ومن ثم استلقى مجددا لنصف ساعة أخرى . لن تشعرى حينها بالغثيان ، كانت هذه الطريقة تفيدنى فى كل مرة .
جلست آنا فى السرير بصعوبة وبدا على وجهها الارتباك :
- هل أخبرك أوليفر ؟.
- بالطبع أخبرنى . انا سعيدة جدا لكما أنتما الاثنين . أنا سعيدة حقا.
- لقد عدت اليه.
فأشارت مدبرة المنزل بدهاء :
- لكن ليس الى السرير نفسه . لا أرى ذلك مؤشرا جيدا . ليست لدى اى فكرة عما حدث بينكما ، لكنك ستتمكنين وأوليفر من اصلاح الامور . أعلم أن أوليفر يأمل فى ذلك الى حد بعيد ، كان مزاجه لا يطاق عندما رحلت . لقد خلقتما انتما الاثنان لتعيشا سويا . لا تتخليا عن حبكما بسهولة .
عندما نزلت آنا اخيرا من غرفتها ، كان أوليفر فى انتظارها . أملت أن تجده قد ذهب الى العمل ، فلم ترده أن يغير أيا من عاداته اليومية من أجلها ، وتمنت الا يتكرر الامر بشكل تلقائى .
- ماذا تفعل هنا ؟
طرحت السؤال بلا مبالاة وهى تسير نحو غرفة الطعام لتناول الفطور . لكن حتى مشاعرها كانت فى الوقت نفسه تتحسس وجوده بشغف ولهفه، حتى كادت تدفعها الى حضنه.
قال أوليفر :
- أخذت لك موعدا من الطبيب.
امتعضت آنا وبدا الانزعاج على ملامحها من الطريقة التى بدا يتحكم فيها بكل شئ ، وفرحت لأنها لم تستجب لنداء أحاسيسها الملح .
أجابته :
- انا قادرة على القيام بذلك بنفسى ، شكرا لك.
- نعم أعلم ذلك . لكنى لم أكن واثقا من السرعة التى ستقومين فيها بذلك ، وخطر لى أنه من المهم أن ...
- لا أحتاج لأن تفكر عنى .
ثم شعرت انها تبالغ بالقسوة عليه ، فهو يبدو وكأنه لم يعرف طعم النوم منذ أكثر من شهر ، رغم أنه استحم هذا الصباح وحلق ذقنه للتو، وارتدى قميصا أزرقا وبنطالا من الكتان الرقيق. فاستطردت قائلة :
- أنا آسفة فانت معنى بالطبع . متى هو الموعد ؟
- فى العاشرة والنصف . لدينا متسع من الوقت . هل يمكنك تناول طعام الفطور الان؟
- قد أتناول قشطعة من الخبز المحمص.
- هذا ليس بالكثير .
- هذا كل ما اريده . فأنا أذكر أن أختى قالت لى ذات يوم ان الوجبات الخفيفة كانت تريحها أكثر من الوجبات الثقيلة الدسمة.
أكد لهما الطبيب أنها حامل بالفعل . وصافح أوليفر وآنا وتمنى لهما أن ينجبا طفلا يتمتع بصحة جيدة :
- من المؤسف أن والدك لن يتمتع برؤية حفيده .
أومأ له أوليفر برأسه وخرجا من العيادة . وبعدما لمحت آنا تعابير وجهه ، قالت له بلطف :
- كان ذلك فظا بعض الشئ أن يذكر والدك هكذا.
- أنت لا تعرفين شيئا ، فوالدى ما كان ليريد أن يرى حفيده أو يتعرف اليه .
صدمتها الحقيقة القاسية :
- هل هذا صحيح ؟ هل أنا السبب فى ذلك؟ لأنه لم يحبنى قط ؟
بحق السماء! هل بلغت قسوة ادوارد وتعجرفه هذا الحد ؟
أجابها أوليفر بنفاذ صبر :
- بالطبع لا ، بل لأنه لم يحبنى أنا . اصعدى الى السيارة وسنكمل حديثنا فى المنزل ، ان كان الامر يهمك حقا .
لم يكن ادوارد يحب ابنه ؟ كان ذلك خبرا مفاجئا لآنا ، فراحت تبحث عن شروحات له بينما كان أوليفر يقود السيارة فى طريق العودة . لم تتنبه لذلك البتة ، فلم يظهر أى شئ يؤكد ذلك ، على ادوارد وابنه .
عندما وصلا الى المنزل ، قالت له :
- أخبرنى عن والدك . لم يسبق لك أن ذكرت لى وجود أى مشكلة من أى نوع بينكما.
أخذ أوليفر نفسا عميقا وأخرجه ببطء شديد ليخفف من حده توتره وهما يجلسان :
- هذا لأننا تمكنا من التوصل الى صيغة للتعايش بيننا كنت أحترمه جدا ، فهذا أمر اعتدت عليه منذ نشأتى الاولى ، كما دربنى على اطاعة أوامره منذ نعومه اظافرى . لهذا السبب كنت أعيش هنا ولم انتقل بعيدا على الفور.
كان بحاجة الى ، رغم أنه لم يعترف بذلك قط. لكن ذلك لا يعنى أنى لم أكن مشمئزا من الاسلوب الذى كان يعاملنى به .
- لم يعجبه أن يضطر للاهتمام بتربيتك! هل هذا ما تريد قوله ؟
- شئ من هذا القبيل . دخلت عالم الاعمال معه لكى أثبت له أنى لست ذاك المغفل الذى كان ينعتنى به . حتى بعد تقاعده من العمل ، لم يستطع الاعتراف بأنى أقوم بالعمل جيدا عوضا عنه ، وكنا نتجادل كثيرا.
خطر لآنا أن احدى هذه المجادلات أدت الى موته . لعلها لم تحب ادوارد ، والان باتت لا تحبه أكثر بعدما علمت كيف كان يعامل أوليفر . لكن هذا لا يعنى أنها لم تشعر بنوع من التعاطف معه .
سألته :
- أعتقد أن هذا يفسر الطريقة التى عاملنى أنا بها .
- لا على الاطلاق. لقد تزوج بروزمارى على عجلة ، من دون أن يتسنى له الوقت لمعرفتها أكثر، فظن أنه متيقن من النهاية التى سنصل اليها. كان سيقبلك مع الوقت .
- لا، لم يكن ليفعل، فى الواقع عرض على والدك المال لكى لا أتزوجك .
انتفض أوليفر واقفا وعيناه تسطعان من الدهشة :
- ماذا فعل ؟ لماذا لم تخبرينى؟.
شرحت له الامر بهدوء :
- لأنى تدبرت الامر وحدى . مزقت الشيك وأخبرته أنى أحبك ، وان ذلك لن يتغير مثقال ذرة لو كنت مفلسا .
تحول بريق عينيه الى نور يشع بالاعجاب و الاكبار:
- أراهن أن ذلك لم يعجبه البتة .
- لا، لا أعتقد ذلك .
صمتت آنا قليلا لا تدرى ان كان عليها أن تخبره بالقصة كاملة . فقال لها مقاطعا :
- هناك المزيد، اليس كذلك؟
كانت قد نسيت السهولة التى يستطيع بها أوليفر أن يقرأ أفكارها فافتر ثغرها عن ابتسامة هادئة رقيقة :
- أنت تعرفنى جيدا .
- اذن اخبرينى بكل شئ. على أن اعرف الحقيقة كاملة دفعة واحدة .
ابتلعت آنا ريقها بصعوبة ، وتابعت :
- لقد طردنى ، رمانى خارجا ، قال لى ان هذا المنزل ملك له وأعطانى أسبوع واحد لأنتقل منه .
أصاب أوليفر الذهول ، واخذ الدم يغلى فى عروقه ، فعلا الاحمرار وجهه، احمرار الغضب والسخط، وصاح بها :
- ورحلت ...رحلت من دون أن تاتى لرؤيتى ؟ من دون أن تخبرينى بما حدث ؟.
ثم انتبه لعظم ما فعله والده، فقفز واقفا وهو يصيح :
- يا له من عجوز كاذب شرير! ربما كان من الافضل الا تخبرينى ، لانى كنت سارتكب شيئا قد اندم عليه لاحقا ... آنا ... آه آنا ، لم لم تخبرينى ؟.
أجابته بهدوء :
- ظننت أنك لن تبالى . فأنت لم تأت مرة واحدة الى المنزل لتحاول مناقشة الموضوع ، وأنا ما كنت لأقصد البيت الكبير ووالدك يسكن فيه . كانت كبريائى تمنعنى من ذلك .
- اذن، لو أن والدى لم يمت ، لما كنا عدنا الى بعضنا . هل هذا ما تقولين ؟
- هذا ممكن. فقد كنت أتألم جدا الى حد بت معه غير مستعدة للمواجهة ظن وانت حسمت أمرك واتخذت قرارك ، وهكذا كان .
اغمض أوليفر عينيه ليدين نفسه بما اقترفت يداه :
- لا أدرى ان كنت ألعن والدى أم لا ، لأنى كنت أنا نفسى جدير بذلك أكثر منه .
- بامكانك تكرار ذلك مجددا ، فأنا أوافقك الرأى .
لكن بالرغم من كل ما انهار بينهما ، كانت آنا لا تزال تشعر نحوه بالحب .لم تستطع يوما تفسير ذلك . الا أنه شعور أقوى من أى شئ أخر ، وأقوى منها هى بالتأكيد . لكنها تفضل الاحجام عن الاقتراب منه ، لأن الجاذب الجسدى ليس كافيا لوحده لبناء زواج ناجح . عليها أن تتذكر هذا دوما ، عليها أن تتأكد من حبه لها . فهذا الخطأ كان منذ البداية السبب الذى أوصلهما الى هذه النهاية المحزنة .
سألته :
- لماذا لم تقل لى ان هذا المنزل ملك لادوارد؟.
هز كتفيه :
- لم أفكر فى هذا قط . لكنى أظن أن علينا بيع كل شئ قريبا . واعتقد أن علينا الاستقرار فى منزلنا الجديد قبل ولادة الطفل .
منزلنا ! منزلنا؟ هل كانت هذه خطوة حكيمة ؟ عليها أن تتوصل الى مسامحته على أخطاء عديدة قبل أن يجمعها به أى أرتباط ، وان المنزل الجديد يعنى الارتباط . هذا يعنى أنه يتوقع منها ان تمضى ما تبقى من حياتها معه.
- لا تبدين واثقة من هذه الخطوة ، يا آنا
لم تدرك أنه يراقبها ، أو ان تعابير وجهها كانت واضحة ومقروءة الى هذا الحد . فهزت كتفيها :
- قلت لى أننا سننتظر ونتريث الى أن يولد طفلنا ، وان لم نتوصل فى هذه الفترة الى اصلاح الامور ، فسأكون حرة فى الذهاب والابتعاد عن هنا ، لذا لاافهم لم علينا الانتقال قبل أن نتأكد من ...
سطع بريق عينية بحدة وهو يقف بانفعال قائلا :
- قد تكونين غير متأكدة يا آنا . لكن فى ما يتعلق بى ، فأنا واثق ومتأكد تماما . نحن زوج وزوجة ، وهكذا أريدنا أن نبقى .
*************************

إغواء الزوجة !Where stories live. Discover now