7 - لن أغفر لك

9.1K 175 4
                                    

ظلت آنا تتوقع زيارة أوليفر منذ أن اتصل كريس به، حتى أنها راحت تقف عند النافذة معظم ساعات النهار تراقب وتنتظر. فكرت فى البدء بالهروب الى مكان ما، الى لندن ربما ، أو أى مكان لا يمكنه فيه ايجادها.
لكنها قررت لاحقا أن المواجهة أمر لابد منه لاتخاذ القرارات النهائية. لاشك فى أن الطلاق هو خيارها الوحيد. فمن غير المنطقى أن تبقى متزوجة برجل لايثق بها، ولن يثق بها قط .
حاول كريس اقناعها بمنحه فرصة أخرى. لكن آنا كانت تعلم أنها لن تجرؤ على ذلك ولن تستطيع التحمل ولن تقبل بالمزيد من الاهانات.
فقالت له بحدة :
- لن أمنحة فرصة أخرى لايذائى مجددا
سقطت توقعاتها مع قدوم المساء حين أسدل الظلام وشاحة الاسود على المكان ... لن يأتى . ليس اليوم على أى حال. الحمد لله على ذلك . لقد ذهب التوتر الذى عانت منه طيلة النهار سدى .
كانت فى المطبخ تعد لنفسها عشاء خفيفا عندما دق أوليفر الباب، أخافها هذا الصوت المفاجئ، لكنها علمت على الفور أنه هو .
شعرت بأثقال تثبت قدميها على الارض وتمنعها من السير، وهى تشق طريقها نحو الباب الامامى . بدا الوقت الذى تطلبه وصولها الى هناك أزليا.
فتحت الباب ولم تتنح جانبا لتسمح لأوليفر بالدخول ، بل وقفت هناك لتسمع ما سيقول بعد أن أضاءت النور الخارجى لكى تراه بوضوح.
بدا مخيفا وفى حالة يرثى لها. كانت عيناه الذهبيتان غارقتين فى جيبين محاطين بهالات سوداء، وقد هزلت وجنتاه ، فأسعدها أن تراه يعانى هو أيضا. لم عليها هى وحدها أن تعيش فى جحيم لا يطاق ؟
أومأ لها برأسه وقال بنبرة متسائلة :
- آنا ؟
لن يقوم أذن بالخطوة الاولى ، بل ترك لها ذلك . فقالت بنبرة تعمدت جعلها باردة وموضوعية جدا:
- من المؤسف أنك لم تتصل قبل مجيئك، لوفرت عليك عناء الرحلة .
أجاب بعد أن تسمرت عيناه على وجهها الشاحب:
- أفهم أنك لا ترحبين بى ، لكنك بلا شك لن تجعلينى أعود أدراجى الان على الفور؟.
- هل هناك أى سبب يمنعنى من ذلك ؟ ألم أقل لك بوضوح ان كل شئ انتهى بيننا ؟
- يجب أن نتكلم .
- لماذا؟ لأنك اكتشفت أمر الوعد الذى قطعته لكريس؟ وعلمت أن لدى أخا حقا ؟ هذا يحدث فرقا كبيرا، أليس كذلك ؟
كانت توشك على الانفجار . ان كان يظن أنه بمجرد قدومه الى هنا وتقديم اعتذاراته التافهة، سيسوى الامور بينهما مجددا ، فهو بلا ريب مخطئ جدا.
- هذا لا يحدث أى فرق حتما . كنت مخطئا فى ما فعلت وأنا أعترف بذلك . والان هل يمكننى الدخول من فضلك.
عرفت آنا أنها لن تستطيع ابقاءه واقفا بالباب طيلة الوقت الذى يتطلبه حديثهما ، فتنحت جانبا على مضض وسمحت له مكرهة بالدخول ، وقد بدا ذلك جليا على ملامحها :
- أنت تهدر وقتك الثمين . لن تقول شيئا بامكانه تغيير ما أشعر به.
ما من رجل على وجه البسيطة مغرم حقا بزوجته ويقوم باتهامها بسرقة مجوهرات العائلة ، بل يناقش الامر فى البدء قبل أن يرميها باتهامات مجحفة. لكن ، ليس أوليفر من يفعل هذا. آه ، لا ، فهو ينفعل اولا ثم يفكر لاحقا. والان ، بعد أن أدرك خطأه الجسيم ، يبدو أنه يحاول اصلاح الامور مجددا بمجرد كلمة اعتذار.
أغلقت آنا الباب خلف أوليفر ولحقت به الى غر فة الجلوس . كانت غرفة صغيرة ، لاتشبه فى شئ غرفة الجلوس البالغة الاناقة فى منزل أوليفر.
ملأت رجولته المكان وعبقت فى الاجواء رائحة عطره الاخاذ، بحيث أن وجودة بذاته بات يمثل تهديدا لمناعتها. فقالت بنبرة قاسية وهى تحاول عبثا الا تنظر اليه:
- والان ، قل ما جئت لأجله ، ومن ثم أرحل من هنا .
من الصعب تجاهل أوليفر لانغفورد ! كان يرتدى سترته الجلدية السوداء التى كان يرتديها عندما التقيا للمرة الاولى ، وقميصا أسود وبنطالا من الكتان الاسود كذلك. فبدا مثيرا الى حد لا يمكن احتماله.
بقى واقفا على ما يبدو بانتظار أن تجلس هى قبل أن يختار كرسيا لنفسه . كانت آنا عازمة بعناد على البقاء واقفة لعدم تشجيعه على تمضية الكثير من الوقت هنا ، لكنها شعرت بقدميها واهنتين وعاجزتين عن حملها لوقت طويل. صلت لكى لا يطيل البقاء، وهى تجلس ببطء على أقرب كرسى منها.
جلس أوليفر بدوره وهو يقول :
- لقد اقترفت خطأ فادحا.
- لن أجادلك فى هذا . ألهذا السبب أنت هنا الان ؟ لكى تعتذر؟
- شئ من هذا القبيل . هل أنت بخير يا آنا ؟ تبدين شاحبة جدا .هل تأكلين كما يجب ؟
آه ، ياألهى ، تمنت الا يكون عازما على الاستفسار عن صحتها. فهناك أمور تفضل ألا يعرفها :
- بالطبع أنا آكل جيدا . فى الواقع ، كنت أهم بتحضير عشاء خفيف لى .
- ليكن اذا عشاء لاثنين . فأنا أتضور جوعا .
تذمرت آنا . هل عليه أن يزيد من عذاباتها والامها ؟
- انها فقط شطيرة من سمك التونا
- أنا احب سمك التونا.
- ... وبعض السلطة .
نهض عن كرسية قائلا :
- هذا جيد. سأتى لأساعدك، هل تسمحين ؟ .
المساعدة أم الاعاقة ؟ لم تكن بحاجة الى كلا الامرين :
- المطبخ لا يتسع لشخصين ، كما تعلم جيدا . بامكانى تدبر الامر وحدى . ابق أنت هنا ، وسأحضر الطعام على صينية.
- أذكر جيدا أننا كنا نشكل فريقا ممتازا فى المطبخ فى ما مضى . كان ذلك تدبيرا حميما جدا .
وسطعت عيناه فجأة ببريق ذهبى مثير . لكن ذلك كان فى الماضى ، وهما الان فى الحاضر ، ولم ترد آنا ما يذكرها بما مضى .
خاطبته بلهجة آمرة وهادئة :
- التدابير الحميمة لم تعد متوفرة لك الان . من الافضل أن تتذكر هذا جيدا . أنا أفضل أن تبقى هنا .
هز كتفيه استسلاما :
- أنت الامرة هنا . كما تشائين .
ثم جلس ثانية . عندما بلغت آنا المطبخ ، وقفت مسندة ظهرها الى الحائط وأخذت نفسين عميقين . فبرغم أنها كانت تتوقع زيارة أوليفر، ورغم أنها حضرت مسبقا ما ستقوله له ، الا أنها لم تهيئ نفسها لهذه الحرارة المتصاعدة من عينيه التى ألهبت جسدها كله .
ظنت أن مشاعرها قد دمرت ، ليحل مكانها شعور من نوع آخر ، أى الكراهية . كيف تفسر اذن ماجرى لها بمجرد النظر فى عينيه ؟
أم تراها تخطئ ثانية فى فهم أحاسيسها وفى قراءة الاشارات المنبعثة منها ؟ هل أن النفور منه هو الذى ينبض فى عروقها وليس التوق اليه ؟ كيف لها أن تتأكد ؟ لكنها علمت رغم ذلك ، أنها ، لم تسرع فى أعداد الشطيرتين، فسيأتى بحثا عنها .
دفعتها هذه الفكرة الى العمل بنشاط فأنهت اعداد الطعام فى عشر دقائق . كان أوليفر قد وضع طاولة القهوة بين الكرسيين ، حيث وضعت آنا الصينية ، وهى تهنئ نفسها على هذا القدر من الهدوء ورباطة الجأش اللذين تظهرهما.
لم يكثرا الكلام أثناء العشاء ، رغم أن آنا علمت أن أوليفر لن يلبث أن يبدأ الحديث الذى أتى الى هنا من أجله . هل فى نيته الاعتذار؟ أم تراه جاء يرجوها الغفران ؟ هل أتى ليقول لها أنه أخطأ فى الحكم عليها بشكل فظيع ؟أو لينهى معها الاتفاق على ترتيبات الطلاق؟
- ما الذى تفكرين فيه ؟
نظرت آنا اليه . لقد توقف عن تناول الطعام وجعل يحدق فيها بتينك العينين الذهبيتين المهلكتين. وأضاف :
- كنت غارقة فى بحر من الافكار. الافكار المضطربة كما يبدو ، هل تتعلق أى منها بى .
رأت آنا أنه من الغباء انكار الحقيقة ، فقالت :
- بالطبع .
- لدينا الكثير لنناقشه .
- نعم .
- ارتكبت خطأ فظيعا حين اتهمتك بسرقة ذلك الارث العائلى.
- يسرنى أنك أدركت ذلك .
- كان على أن أعرف أنه يستحيل أن تقدمى على عمل كهذا .
- نعم ، كان عليك معرفة ذلك .
- كان على أيضا أن أعرف أن لديك عذرا كافيا لتصرفك بمبلغ الثلاثين ألف باوند . ما كان على أن أضعك فى الخانه نفسها مع روزمارى وميلانى .
- أتراك تشعر بحال أفضل الان بعد أن اعترفت بكل ذلك ؟
أطبقت يدا أوليفر على ذراعى الكرسى الى أن ازرقت مفاصله، فهو لم يتوقع هذا القدر من الخصومه والعداء . لكن صوته ظل هادئا وهو يضيف :
- أنا أطلب منك الغفران والسماح.
هزت آنا رأسها بقوة وثبات :
- لا، هذا ليس صحيحا . ما تحاول فعله هو تقديم تعويض أو ترضية عما فعلته . لكن ذلك لن يجدى نفعا.فقد آذيتنى الى حد يتخطى كل الحدود. بامكانك أن تجثو على ركبتيك راجيا . لكن ذلك لن يحدث أى فرق.
- آنا ...
- لا تضيف شيئا . لقد انتهى ما بيننا ، مات ودفن . أنا فى الواقع أشك فى أن تكون قد أحببنا بعضنا حقا. فلو فعلنا ، لما واجهنا كل تلك المشاكل ، لوثقت بى ، أو سمحت لى بايضاح الأمور لك على الاقل . لم يجمعنا سوى الجاذب الجسدى ، هذا كل ما فى الامر. كان والدك محقا فى الاعتراض على زواجنا ورفضه. كان الشخص الوحيد الذى يتمتع بشئ من المنطق والحكمة .
فرك أوليفر جبينه بأصابعة :
- لقد تغيرت يا آنا. لم تكونى قط بهذه القسوة من قبل . كنت دائما ..
قاطعته وهى تحدق فيه بعينيها الخضراوين الواسعتين :
- هل هو أمر عجيب أن أتغير ؟ بعد الطريقة التى عاملتنى بها؟ أريدك خارج حياتى ، أوليفر ان أتيت الى هنا لكى تتذلل وترجونى أن أعود اليك ، فيستحسن بك أن تنسى الامر ، لأنى لن أفعل . بل افضل فى الواقع أن ترحل الان.
رجت الله أن يساعدها على القيام بما هو صواب .
- فى هذه الساعة من الليل ؟
- نعم ، فى هذه الساعة من الليل . فقد أخطأت فى مجيئك فى ساعة متأخرة .
- لم أستطع حجز مقعد على طائرة أخرى .
- كان عليك اذن الانتظار حتى يوم غد .
- كنت آمل فى أن تسمحى لى بالبقاء؟
تذمرت آنا ، فهذا آخر شئ قد ترغب فى حدوثه :
- لا أظن ذلك .
- حتى وان وعدتك بعدم التسبب لك بأى ازعاج، وبأن أكون صبيا عاقلا ومطيعا ؟
رسم على وجهه علامات البؤس والشقاء . فقالت :
- بشرط أن ترحل مع خيوط الفجر الاولى . لا أريدك هنا ، يا أوليفر . لقد انتهى كل شئ بيننا وكلما أسرعت فى تقبل الامر ، كلما كان أفضل لكلينا.
اعتصر قلبه جراء كلماتها القاسية ، لكنه قال بهدوء :
- لابد من طريقة تمكننى من جعلك تغيرين رأيك .
- ليس هناك من طريقة البتة . ان كنت تريد الخلود الفراش الان ، فأنت تعلم أين تقع غرفة الضيوف، سأتولى أنا تنظيف الاوانى هنا .
قفز واقفا :
- لا، أرجوك . دعينى أساعدك .
- فى هذه الحال ، ستقوم أنت بالعمل كله ، وسأذهب أنا لأنام . ليلة سعيدة أوليفر.
لم يبد مسرورا لكنها لم تأبه لذلك . بل صعدت الى غرفتها واندست تحت الاغطية عندما سمعته يصعد السلالم . كانت قد أنهت غسل أسنانها ووجهها فى وقت قياسى لتأوى الى الفراش سريعا وتتجنب الالتقاء به مجددا. لكنها عجزت عن الاسترخاء والنوم وألفت نفسها تنصت وتنتظر.
التفت أصابع قدميها وتصلب جسدها كله عندما بلغ باب غرفتها، واصدر قلبها خفقة مدوية ، الا أن أوليفر مر من أمام الباب نحو الغرفة الاخرى من دون أن يتريث قليلا أو تتردد خطواته.
دخل الى الحمام الذى يفصل بين الغرفتين، ثم دخل الى غرفة النوم ، وساد الصمت المطبق على المكان كله ، لكنها ظلت عاجزة عن الاسترخاء، ومر وقت طويل جدا قبل أن يغلبها النعاس.
فى الصباح التالى ، استيقظت وهى تأمل أن يكون أوليفر قد التزم بكلامها حرفيا ورحل عن الكوخ قبل أن تنزل الى الطابق السفلى . لكن الحظ لم يكن حليفها ، حتى أنه حضر طعام الفطور. كانت رائحة اللحم المقلى التى تصاعدت الى أنفها وهى تدخل المطبخ كانت أقوى بكثير مما تحتمله معدتها المضطربة .
عادت مسرعة الى الحمام ، أمله الا يكون أوليفر قد سمعها . عندما عادت للانضمام اليه مجددا ، كان طعام الفطور قد أزيل كليا ، ولم تجد على الطاولة سوى فنجانا من القهوة نظر اليها بقلق وقال :
- أعلم أنك تعانين من خطب ما ، يا أنا . لم لا تقولين لى ما هو ؟
أجابته بخفة :
- لابد أنى التقطت جرثومة ما أظن أنى سأتناول القليل من الخبز المحمص.
شعرت بالحاجة الى الحركة ، الى القيام بأى عمل يمنعها من النظر الى أوليفر . فتابع مستفهما :
- ويفترض بى أن أصدق هذا ، اليس كذلك؟ هل زرت الطبيب ؟ هل هو من قال لك انها جرثومة ؟
- ليس بعد ، لم أفعل . هيا لا داعى للقلق، أوليفر سأكون بخير.
الا أنها شعرت بعينيه تخترقان ظهرها وتلسعان بشرتها وضعت الخبز فى المحمصة ولم تشأ الانتظار ، فوضعت ابريق الماء على النار ليغلى : -أرغب فى فنجان من الشاى بدل القهوة ، هل أعد لك فنجانا؟
- لا شكرا لك .
رغبت فى الالتفات والنظر اليه، لكنها لم تجرؤ، وراح قلبها يخفق بعنف شديد. ثم حدثت نفسها بأنها سخيفة فى ما تفكر فيه ، فأنى له أن يتكهن بحقيقة الامر ؟ عندما انتهت من تحضير فطورها ، أخذه أوليفر من يدها وحمله الى غرفة الجلوس.
فى ما مضى من الايام الاسطورية التى عرفاها عندما تقابلا للمرة الاولى ، اعتادا أن يجلسا لتناول طعامهما الى الطاولة بالقرب من النافذة حيث يستطيعان مراقبة الطيور فى الحديقة وتفتح براعم الربيع فيها ، والتمتع بالطقس المنعش فى هذا المكان الرائع . لذا ، لم يكن أمرا غريبا أن يحمل أوليفر فطورها الى هناك.
لكن مشاعر غريبة راودت آنا ، فخطر لها أن الشعور بالذنب هو الذى يدفعه للتصرف على هذا النحو . جلست والتقطت قطعة من الخبز ... أم لعلها هى من يشعر بالذنب لأنها تعمدت اخفاء حالتها عنه ؟
قضمت جزءا صغيرا دون أن تلتفت اليه . جلس أوليفر فى الجهة المقابلة وقد وضع فنجان القهوة على الطاولة أمامه . وقال بهدوء:
- أعتقد أنها أكثر من مجرد جرثومة . الا تظنين أن عليك اطلاعى على الأمر ؟.
قطبت آنا جبينها ، وعادت معدتها لتضطرب ثانية ، لسبب مختلف تماما هذه المرة .
- لا أعلم عم تتكلم .
- آه ، بل أعتقد أنك تعلمين جيدا. انظرى الى ، يا آنا . قولى لى بصدق ما خطبك.
لم تتمكن من النظر اليه ، لكنها أصرت على موقفها :
- ما من خطب البتة .
- حسنا . لقد ألقيت نظرة على خزانتك فى الحمام هذا الصباح بحثا عن فرشاة أسنان اضافية .
دقت نواقيس الخطر فى رأسها ... نواقيس مدوية .
- واحزرى ماذا رأيت يا آنا ؟
لزمت الصمت المطبق .
- جهاز لأختبار الحمل .
ارادت أن تنزلق تحت الطاولة ، أرادت أن تختفى فى حفرة فى باطن الارض ، بامكانها أن تواجهه قائلة :
- وأن يكن ؟ بإمكانها القول إنها استخدمته وكانت النتيجة سلبية . بإمكانها أن تقول أشياء كثيرة ... لكنه سيكتشف الحقيقة عاجلا أم آجلا .
لم يكن غبيا وبإمكانه أن يلاحظ حالتها ، فالغثيان الذى شعرت به فى الصباح جاء مبكرا ولم تستطع اخفاءه . لو أنها لم تتوقف عن تناول حبوب منع الحمل عندما افترقا للمرة الاولى . كانت تلك الحبوب تسبب لها عوارض مزعجة فأرادت أن تجرب نوعا آخر . فى هذه الاثناء، قررت أن تمنح جسدها بعض الراحة .
ولغبائها ، لم تتنبه لذلك عندما حملها أوليفر الى غرفة نومه فى ذلك اليوم . انه خطأ مصيرى جسيم ، واحد من أخطاء عديدة ارتكبتها كلما كان الامر يتعلق بهذا الرجل .
حدقت فيه بشجاعة وقالت :
- وهل تعلم ، يا أوليفر ؟ كانت النتيجة ايجابية . لكن ذلك لن يحدث فرقا كبيرا بالنسبة اليك ، لأن هذا الطفل هو لى أنا .
إنه قرار اتخذته عندما علمت بأمر حملها . لم ترده أن يكون أبا لهذا الطفل ، فقد سبق أن تخلى عن هذا الحق بامتياز. أضافت :
- لن أعود اليك قط من الطبيعى أن أدعك ....
- ماذا تقصدين بحق الجحيم ؟
علت نبرة صوته فجأة وتطايرت شرارات الغضب من عينيه، لكنه أدرك أن هذه الطريقة لن توصله الى ما يسعى اليه ، فانخفض صوته مجددا :
- هذا الطفل هو أبنى أنا ايضا بقدر ما هو ابنك أنت ، آنا ... أعتقد أنه ابنى أنا ، اليس كذلك ؟
كان سؤاله الاخير يهدف الى التأكيد على الامر وليس التشكيك به ، فأجابته :
- بالطبع .
- لذا ، اريد أن أكون جزءا من الامر برمته . أريد أن أكون الى جانبك لمساندتك ومساعدتك فى هذه المرحلة الصعبة ، يجب أن تزورى الطبيب. من الافضل أن تأتى الى المنزل معى ليراك طبيب العائلة ، سأقوم بكل الاجراءات ، وسأ...
تكلمت آنا بنبرة واثقة حادة :
- أوليفر ، لن أعود الى رجل يظن أنى سرقت مجوهرات عائلته .
سرها أن يبدو احمرار الخجل على سحنته ، لكنه أجابها بحزم :
- لن أترك لك الخيار ، يا آنا . الحقيقة أنى أتهمتك قبل أن أفكر فى الامر . لكنى أدركت على الفور أنك لايمكن أن تقومى بأمر كهذا . فأنت صادقة جدا ونزيهة جدا ومستقيمة الى أبعد الحدود .
لوى شفتيه وهو يضيف هذه الكلمات الاخيرة :
- أنت أفضل منى بكثير . أعلم أنى لن أتمكن من أصلاح الضرر الذى تسببت لك به ، لكن من أجل طفلنا .. أرجوك أن تعطينى فرصة واحدة أخيرة . أعدك بألا أتهمك بالسرقة ، أو بالزواج بى من أجل المال .
- أنت محق فى أنك لن تفعل ذلك مجددا ، لأنك لن تنال الفرصة لتكراره.
لن يجديه نفعا اطلاق الوعود الآن من يرتكب الخطأ نفسه مرتين متتاليتين ، ما الذى يضمن ألا يقع فيه مرة ثالثة ؟ رفضت أن تقبل المخاطرة .
قطب جبينه بقسوة :
- أتعنين حقا أنك لن تعودى الى المنزل ، يا آنا ؟.
كانت آنا قد فكرت فى الامر مطولا أثناء الليل وقررت أنها تقوم بالخطوة الصحيحة .
- كلا سأدعك تراه بالطبع ، فأنا لن أكون من القسوة بحيث أحرمك من ذلك لكن ..
- حبا بالله يا أمرأة ، ماذا عسانى أفعل ؟ أأجثو على ركبتى وأرجوك؟
- قد أرغب فى رؤية ذلك ، الا أنه لن يكون كافيا ، لاشئ سيكفينى فى الواقع. ليس لديك أى فكرة عن الالام التى تسببت بها والجراح التى حفرتها عميقا فى روحى ، جراح لن تندمل مادمت حية . لن أسامحك قط وأنا على قيد الحياة . لذا ، لا أرى سببا يدفعنا الى العيش معا . سيضعنا ذلك فى وضع مستحيل يصعب أحتماله .
***************************

إغواء الزوجة !Where stories live. Discover now