11- الهدية

7.5K 165 2
                                    

أصاب أوليفر الذهول واعتمل الخوف فى صدره وهو واقف يستمع الى أكاذيب ميلانى. كل ما استطاع التفكير فيه هو ما قد يفعله ذلك فى آنا، وما قد يحدثه من شرخ كبير فى علاقتهما التى لاتزال غير مستقرة ومهددة بالانهيار فى أى لحظة.
حاول جاهدا خلال الاسابيع الماضية الحرص على حسن سير الامور . كان الامتناع عن الاقتراب من آنا والتزام الحذر والصبر يقتلانه ، فى الوقت الذى أراد فيه أن يمسك بها بعنف ويحبها حتى الموت ، روحا وجسدا .
كانت قاعدة (لا تلمسنى) التى وضعتها آنا تصيبه بالجنون . وكم من مرة كاد يفقد السيطرة على نفسه ويسألها الى متى سيستمر حرمانه المؤلم منها . فلم يوقفه شئ الا خشيته من افساد الامور مجددا ، وحرصه على الوفاء بوعده لها.
لكن ، الى متى يطلب من الرجل الانتظار ؟
وحين احتضن أوليفر آنا بذراعيه، أخذ جسده يلتسع بشرارات شرسة محرقة، ولم يشأ افلاتها . أهذه ليلة أخرى يمضيها فى السرير وحيدا؟ ليلة أخرى تضج بالاحلام المزعجة؟ ليلة أخرى يستيقظ بعدها صباح عيد الميلاد من دون أن يجد أحدا الى جانبه ؟
أنى له أن يحتمل ذلك ؟
همست آنا فى أذنه :
- أوليفر أرغب فى أن أقدم لك هدية الميلاد الان . أتنتظرنى هنا الى أن أحضرها ؟.
ابتسم لها قائلا :
- بالطبع ، لكنى ظننت أننا سنضعها كلها تحت الشجرة ، و...
- انها جزء من الهدية ليس الا.
فجأة ، بدت متعطشة ومتلهفة ، والبريق الاخضر يسطع فى عينيها ، وشفتاها تنفرجان فى أثارة واعدة. آه كم تبدو جميلة ومثيرة انها الان كالصورة التى رآها فيها عند لقائهما الاول .
كانت حيويتها قد خبت فى الفترة الاخيرة وغابت عن ملامحها لتحل الحدية والشرود محلها. يا لها من سعادة كبيرة أن يراها الان كسابق عهده بها .
أخذ أوليفر يتساءل عن الهدية التى لم تستطع الانتظار حتى الغد لتقدمها له. بدت غاية فى الحماس بحيث أنه لم يشأ صدها أو خذلها ان لم تعجبه تلك الهدية ، أيا تكن ، فيكفيه أنها من أختيار آنا.
وقف مديرا ظهره للنار وقد وضع يديه خلفه ليدفئهما . فسمع وقع خطواتها الرشيقة الخفيفة وهى تنزل السلالم قبل أن يفتح الباب أمامه . بعد ذلك، وقف مشدوها بعد أن خانته كل كلمات العالم وخانته انفاسه.
جل ما كانت ترتديه هو ثوب للنوم من الساتان الاحمر الشفاف البالغ القصر مزين بجوانب من الدانتيل الذهبى اللون . وقد لفت شعرها وعقدته فى أعلى رأسها بشريط أخضر وآخر أحمر، وانتعلت حذاء أخضر عالى الكعبين ، تمتد منه الشرائط الذهبية لتلتف على ساقيها .
بدت أخاذة ومغرية الى حد الجنون وهى تتهادى نحوه بخطى مغناجة، وعيناها الخضراوان تحدقان بعينيه بنظرات واعدة ماكرة. راح قلبه يخفق بعنف فى صدره الذى بدأ يعلو وينخفض وهو يحاول عبثا التقاط أنفاسه المضطربة . لكنه تسمر فى مكانه لا يقوى على الحراك .
لقد سلبت لبه هذه المرأة الفاتنة وشلت تفكيره وهى تصل اليه وتلف ذراعيها حول عنقه بأغواء وتتلفظ بالكلمات التى ظن أنه لن يسمعها ثانية فى حياته :
- أوليفر ، أنا أحبك وأسامحك. أنا الان مستعدة لأن أكون زوجتك، بكل ما للكلمة من معنى .
ابتلع ريقه بصعوبة :
- أنت هى هديتى ؟.
- ان كنت تريدنى .
- ان كنت أريدك؟
هذا ما لا يكتنفه أى شك على الاطلاق . فقد كاد يموت من شدة ما أرادها . فقال :
- آه، آنا ... آنا ، انها أجمل هدية أتلقاها فى عيد الميلاد على الاطلاق.
وانخفض رأسه ليعانقها وهو يشعر بدوار لذيذ. وهذه المرة ، سقطت الحواجز وكل الاعتبارات الاخرى .
راح أوليفر يعانقها بحميمية وشراهة ، يطالب بما أنكرته عليه لوقت طويل . يطالب تارة بحدة وشراسة وتارة أخرى بحنان ورقة .
شعرت آنا بيديه ترتجفان وهما تلامسان جسدها وتترددان كما لو أن الشك لا يزال يساوره. لم يكن بحاجة للتردد بعد الان ، فهى الان ملكه ما دامت حية، وأرادت طمأنته :
- أنا أحبك حقا ، أوليفر ... أحبك جدا جدا .
أغمض عينيه من شدة السعادة ،ثم رفع رأسه ثانية لينظر اليها بعينين ذهبيتين دافئتين:
-هل سامحتنى حقا؟
- نعم . وان استمريت فى اضاعة الوقت ، فلن أعذب الا نفسى .
- آه ، آنا لاتعلمين كم كنت أتوق لسماع هذه الكلمات منك . انه أجمل يوم فى حياتى .
فهمست له بدلال هادئ ناعس :
- لنذهب الى الفراش .
سطعت عيناه برغبة جامحة :
- هل أستطيع أن أحمل هديتى فى عيد الميلاد الى السرير ؟.
- نعم .
- وهل أستطيع الاحتفاظ بها فى سريرى طوال الليل ؟.
- نعم .
- اذن ، لنذهب من دون اضاعة المزيد من الوقت .
حملها بين ذراعيه وأخذ قلبه يخفق بتوتر وهو يصعد بها السلالم الى غرفة نومه. واستطاعت آنا أن تشعر بحرارة جسده الملتهب.
كان الامر مختلفا الان ، مختلفا عما عرفاه سويا فى الماضى . فهما الان متحابان أكثر من أى وقت مضى ، ولم يعد ما يجمعهما رغبة جسدية خالصة بل رغبة مزجت بكل مشاعر الحب والعطاء الخالصة ...

سألته آنا :
- هل أعجبتك الهدية ؟.
- هل أعجبتنى ؟ يا له من سؤال !
- كنت سأنتظر حتى الصباح ، لكنى فجأة لم أعد أقوى على الانتظار .
- هذا يسرنى. فلم أكن راغبا فى الاستيقاظ صباح عيد الميلاد ، وزوجتى نائمة فى غرفة أخرى . أعتقد أنى كنت سأدخل غرفتك وأجعلك تسامحينى بالقوة .
- يسرنى أننا عدنا أصدقاء من جديد أوليفر .
- الليلة ، ليت بصديقتى. بل أنت زوجتى وحبيبتى ، وهديتى فى عيد الميلاد ! هديتي الجميلة الساحرة، الحامل بطفلى .
بقيا مستيقظين طيلة الليل كأنهما يعوضان ما فاتهما لوقت طويل .لكن الانهاك ألم بهما ، وهدهد جفنيهما النعاس، فاستسلما له أخيرا وغطا فى نوم عميق هادئ.
وعندما استيقظا كان الثلج يسدل ثوبه الابيض فى الخارج. مسحت آنا جزءا من زجاج النافذة براحة يدها وهى تقول لأوليفر :
- أنظر . أنظر أوليفر أليس هذا رائعا ؟.
- أرى أنك الرائعة حبيبتى لم أكن لأسامح نفسى على ما فعلت ابدا
- ألا يقول بعض الامثال ان الحب هو الذى يغلب فى النهاية وينتصر ؟ أعتقد أنى فى الحقيقة لم أتوقف يوما عن حبك لى .
- وانا كذلك. تعالى الى هنا آنا ودعينى أثبت لك هذا.
لم يكن من داع لاقناعها ولو لم تكن السيدة غرين ستحضر لهما عشاء الميلاد لأمضى أوليفر وآنا ما تبقى من اليوم فى سريرهما .
************************

إغواء الزوجة !Where stories live. Discover now