إسترداد: واقعي أبيض و إياك

3.3K 362 200
                                    

تسير صوبي و الأرض تحت خطواتها سيرت جمانا، الأبيض يكسوها و الأرض في محاولة تقليد فاشلة لملاكي السائر نحوي، و على وقع كل خطوة تخطوها كان يزداد إهتياج قلبي و كأنها تطأ عليه.
هي جميلة حد التداعي بثوبها الأبيض الذي ارتدته من أجلي، فقط من أجل أن تكسو أيامي و إياها الأبيض مستقبلا و لا تدري أن البياض الذي تنشره أنوارها حولي كاف لأعيش أعواما من الضياع في قزحتيها.

تمسك يد والدها و كانت كثيرا ما تشد عليها، أعلم أنها متوترة و خائفة و هي تسير نحوي، يدها الأخرى كانت تجمع بين باقة الورود البنفسجية الناعمة و بين فستانها إذ ترفعه فلا تتعثر كما فعل قلبي حين رأيتها.
رفعت مقلتيها نحوي و يا ليتني كنت قويا لدرجة منع الفوضى التي أحدثتها بداخلي، والدها سلم لي كفها الصغيرة مربتا على كتفي:
"إعتن بها جيدا" همس لي و بدا كأنه على وشك البكاء، ثم بغيرة أبوية نطق:
"و تذكر، أنا أحببتها أولا!"

ابتسمت نحوه مطمئنا إياه ثم التقطت يدها برفق، كانت تبدو و كأنها مصنوعة من زجاج، تحفة تستحق التأمل و الرفق قادرة على الإنكسار في أي لحظة، ثم شابكت أناملنا و كم كان لطيفا كيف أن أصابعها تملأ الفراغ بين خاصتي بمثالية.

حبست أنفاسي و رفعت رأسي نحوها،
إلهي! تلومنني على كلفي بها و هي في سماء الحسن بدر؟
رأيتها تبسم عن جمان في عقيق يقال له بحكم الذوق: ثغر، إبتسامتها كانت واسعة و سعيدة تماما كاليوم الذي زرنا به والديها، أتذكر كيف كانت كالطفلة طول الطريق، تتابع الأشجار تجاري سرعتنا أثناء السير و تتهلل فرحا برؤية الغيوم تحرسها، كانت بريئة كأعمى يطالع الكون ببصيرته لأول مرة بعد أن حرمته الدنيا منها.

ثم و بعد وهلة من إشباع دواخلها بعطر البلد و جريان دمائها بهواءه وصلنا حيث من منحاها الحياة، كانت فترة منذ أن التقيتهم و لا يزال العم جون كما تركته، كان يعمل في الحديقة قرب المنزل و الشمس تسلط الضوء على رأسه الأشيب فتعرض تجاعيده تحكي أعواما من الشقاء و الإشتياق.

كان يجفف عرقه بمعصمه الصلب كحال التي كانت تجفف عبراتها بجانبي، تجولت عيناي بين الاثنين حتى زفرت ران بخفوت شهقة مكتومة فاستدار والدها و كأن قلبه سمع إستغاثة خاصتها.

رعشة سرت في جسدي و أنا أطالع كيف اهتز ثبات الرجل أمامي و هو يرى فلذة كبده بعد أعوام من البعد، لا شيء أقسى من دموع الرجال، و كأنها حين تسقط تحفر طرقا في جبال وجناتهم.

بخطا حثيثة سار صوبها حتى بلغ منتصف الطريق ثم  توقف مباعدا ما بين ذراعيه ليدعوها لمنطقة الأمان، والد كل فتاة هو رجلها الأول و تجربتها الأولى في حب الجنس الآخر حبا فطريا عذريا و كثيرا ما تختلف نتائج تجربتها الأولى، و في حالة نيران والدها كان رجلها الذي صعب علي التغلب عليه، و تلك المنطقة التي بإغراء دعاها لإحتلالها كانت كأمان العالم في حضن.

طفل القمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن