إستردادنا، نور أفلاكنا المظلمة

4.1K 538 396
                                    

كمرساة تغوص أنامله أعماق خصلاتها، ككنز ثمين، كثروته هو، كان يمسد شعرها.
يمد يداه خيفة أن تخطئ ضغطها فتنكسر منحوتته صوب أناملها، تلك الفراغات تناديه بمجون: "هذه مساحتك، تعال و إحتلها" و أنامله العطشى كتائه في صحرائها تلبي النداء، تلتحم الفراغات بمثالية، كأنها صنعت من صلبه، كل ما فيها يكمل نقائصه، كل ثغرة سدت بوجودها، و في تشابك أناملهم ركز نظره.

أعوام الفراق العشر، أكانت لتعذبه إن لم ينظر يوما في عينيها؟ يلومونه على حبه لقوس المطر، حمقى هم، لم يجربوا لونه الأخير في مقلتيها، أن تكتنز عينان كل شروط الجمال فترديه صريعا، كانت لحظة هي حين تعثر فيهما، و لكن جاذبيتها لم تقبل سوى سقوطه.

شتان بين الوقوع و التعثر، التعثر كان له لذة لطيفة، أما الوقوع فقد دفع ثمنه أعوام عمره، و لأنه قدمها قربانا لها و من أجلها فلا، هو لم يندم يوما، حتى حين كان يستيقظ ليلا يناجي القمر: "ألست بوليدك؟ دلني على قلبي فلست أقوى العيش دونه."

قاسية هي، ما إن وقعت قبضتها على خافقه أبت تركه، و كان تأخذه معها أينما ذهبت، و رغم بعد المسافات و مرور الزمن، خفتت دقاته و اخترقته الكسور، و بحظورها فقط جبرت و التأمت.

الشوق أصعب ما في الحياة، هو يعقب الفرحة ليكسبها طعما آخر، لونا آخر، و قيمة لم نكن نقدرها، تراه كان أعمى ليجهل عاقبة فرحته؟ الشوق عقب وفاة أمه، وفاة شمسه، غياب والده، و الشوق في غياب نجمته قد قتله. فرحة عمره كانت حين لقاها، و حيث دفن قلبه أول مرة -بين يديها- هناك وجده، ملتحفا أناملها تقبض عليه كل حين.

هي ترقد أمامه، رغم المسافات، رغم الشوق و رغم الألم، عيده الأول و إياها، مستلقية أمامه، ملتحفة غطاء أبيضا، الشموع استبدلت أضواء خافتة و الورود قلبت كحولا.
عيد زواجه الأول و إياها، تماما كما ولجت حياته جاء غريبا، لم يحتفل و إياها في إحدى المطاعم، لم يهمس لها كم يحبها و كم هو محظوظ بها، كان جل ما قاله:
"لست أثق بي إلا لأنك فعلت، أستودعك كل ما أملك فكافحي لأجلنا"، هي ترقد أمامه في سرير المشفى ينتظر إفتراق جفنيها لتتهلل أيامه بنورها.

مذ أن عرفها ترك توقيت البشر و عاش بتوقيت مقلتيها، صباحه يبدأ بإنفراجهما و شمسه تغيب بإنغلاقهما، و قد كان كثيرا ما يتسائل كيف لأنثى أن تختزل الكون؟

هشة هي رغم إدعائها الصلابة، و كم خاف حين أخبرته بقرارها، ليس قادرا على إحتمال إنكسارها، أفول نجمها و غياب شمسها مرة أخرى، لن يتحمل قلبه الأسى يغلف مقلتيها و لا المسافات تباعد خافقيهما، كان وجلا حين حدثته مساء أمس ماطر:
"أستودعك أذنا تشتاق صوتك، يسقي ترابها الجاف كماء مبارك يمطره فاك، كسجين يشتاق مغادرة زنزانة قضى فيها جل عمره، كحوت يتوق لزيارة البر و لم يترك أعماق البحر يوما، و صوتك يا عزيزي بحر لجي، غامض داكن و ينغلق على كثير من الكنوز، كثقب أسود سحبني نحوه، و هل لنا إعتراض ضد الجاذبية ؟

طفل القمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن