الزمن في العمل الأدبي

484 64 42
                                    

عندما تساَءَل القدیس أغسطینوس عن ماهیة الزمن بقوله:
«فما هو الوقت إًذا؟ إذا لم یسألني أحد أعرفه، أما أن أشرحه فلا أستطیع»

وكانت هذه الأطروحة بمثابة تعبیر عن مدى عمق مفهوم الزمن، وعدم قدرتنا على الوقوف بصفة جازمة غیر متذبذبة، أو غیر حائرة لتعریفه.
ونظرًا لكون الزمن ذو كینونة مجردة لا نستطیع الوقوف علیه بدلالة واضحة، وبصفة صریحة، لكننا ندركه في الأحیاء، والأشیاء، فتظهر مشاكله وصعوباته بالنسبة للدارس في أي مجال سواء (الفلسفي، أو الأدبي، أو العلمي).
وما یهمنا هنا هو المجال الأدبي القصصي والروائي، والحقیقة أن عند مطالعتي لغالبیة القصص هنا بالواتباد، أو لمن یتقدم بالنقاش، أو طلب النقد من فریق الإبداع ألحظ إهمال الزمن رغم أهمیته داخل النص.
هل لك أن تتخیل أن روایة لا تحوي زمن؟
من ضمن الأسئلة التي سوف تتواتر لدیك «أین أنا من زمان الروایة؟ وأین هي من الواقعیة؟» وتجد المنطقیة وتقبلك للحدث قلَّت، فتلك مصیبة! ولكن المصیبة الأعظم إذا تواجد الزمن وناقض وجوده دلالته من «طبیعة الأشخاص وقتها، وعاداتهم، وملبسهم، والتقدم، والرفاهیة، وهیئة الثقافة، والتعلم، وشكل الأماكن...»
كل تلك الدلالات تتباین، وتختلف باختلاف زمن السرد، وأحداث الفكرة، أو الروایة.
سأكتفي بذكر مثال واحد، وهو أن تتبحر في ما یفیدك دون تعمق في الزمن القصصي ذاته، فتشعر بفهمك كل ما یخصه، وفي الوقت نفسه لم تنل منه شیًئا من التعمق به؛ كغایة لتفادي مشاكله، وحث على إدراك أهمیته. يمكنك تسميتها «خلاصة ما يهمك»

فما هو الزمن في العمل الأدبي الروائي، وما أهمیته؟

كما ذكرت سابقًا، وكما یرى النقاد أن ماهیة الوقوف على تعریف للزمن حتى داخل الروایة أمر غیر محتوم، ولكن لتقریب وتبسیط دلالته هو «ذلك الزمن الناتج عن مجمل تفاعلات عناصر صنع الروایة، وهو بذلك زمن مستقل خصوصي، لكنه في الوقت نفسه یستحیل فصله عن روایته، إنه هذا التناقض الكبیر، یجعلنا نقول إن الروایة هي زمنها الخاص وإن الزمن هو الروایة»
لهذا، فإن أهمیة الزمن: تظهر في الروایة، والكاتب على حدٍ سواء، أما للأولى فكونه العمود الفقري لها، حتى أن الكثیر من الدارسین ذهبوا للقول بأن: «​الروایة هي فن الزمن بامتیاز.»

وبالنسبة للكاتب: «فإنه یعكس ثقافة كل كاتب ومظاهر عصره، ویمكنك قیاس كُتاب العصر الحالي، بمن مضوا وتستطیع إدراك الفرق.»

لكن هل أبعاد الزمن من ماضٍ وحاضر ومستقبل تصبح بنفس سیرورتها داخل الروایة، أو النص القصصي؟

إن كان هناك درب مستقیم واتجاه ثابت یسیر خلاله الزمن في واقعنا، فإن الأمر مختلف بالنسبة لواقع الكتابة؛ فالكاتب یستطیع البدء من منتصف الحدث، أو أخره، ویعود لأوله مرة ثانیة مضیفًا عنصر التشویق وجذب القارئ.
ننتقل إلى َقطع الكاتب حدث؛ لیكمل آخر وهذا ما

نحو الأفقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن