الفصل الثاني

126K 4K 213
                                    

طفلة في قلب الفرعون

الفصل الثاني :- 

اللحظات الزمنية التي مرت على "دنيا" وهي تحدق به بقلق كانت ثقيلة على القلب.. مؤذية لروح مُحاطة بزجاج فهُشمت بحجار ذلك الخوف الذي لم تستطع إنكاره ولأول مرة....!
كان صدرها يعلو ويهبط بتوتر.. فقال هو بهدوء وهو يراقب حركتها:
-إهدي ماتتوتريش، أنا مش هلمسك غصب عنك لإني عمري ما عملتها وفرضت نفسي على واحدة حتى للتسلية ومش هعملها معاكِ.. أنا عايزك وهفضل عايزك.. بس هاخدك لما تكوني في حضني بكامل إرادتك وبتهمسي بأسمي بتطلبي قربي !
لا تنكر أنها امتنت كثيرًا لكبرياؤه الذي منعه من أخذها غصبًا، ولكنها رفعت عيناها له والشراسة تنبض بها وقالت:
-أفضل أنت احلم كده واما نوصل للمحطة الاخيرة هبقى أصحيك ان شاء الله !
ثم ضيقت عيناها بتنمر قائلة:
-وبعدين مين قالك اني متوترة؟؟ أنا مش متوترة خالص ولا يهزني أصلاً
رفع حاجباه معًا وهو يقترب منها أكثر... متمتمًا بصوت هادئ لم تُخفى نغمات السخرية منه:
-بجد؟؟
اومأت مؤكدة بلهفة حازمة، وهو يقترب أكثر وأكثر حتى سقطت دون أن تشعر على الأريكة خلفها... فشهقت بعنف تلقائي.. ليميل هو عليها ببطء شديد.... عيناه..... وآآهٍ من عيناه المتوهجة رغم ظلامهـا.. تحمل الشيء ونقيضه !
تحمل ظلمة غائرة.... ووميض موهج خافت يتناثر بين ثنايـاه الرفيعة حتى بدأت تحتال عليها الألوان...!!
رفـع إصبعه يسير برقة على العرق النابض الذي يهدر بعنف في رقبتها.. رقة ارسلت قشعريرة باردة لكافة جسدها، ثم ابتسم بخبث وراح يكمل بنفس الهدوء المريب:
-امال ايه ده؟؟ ده شوية وهينفجر من التوتر!
لعنت تركيزه العالي وهي تغمض عيناها... اصبح يطل عليها بهيئته العريضة.. عيناها تلاقي عيناها في حديث صامت.... إلى أن همست هي بتلقائية:
-طب آآ... يزيد.... ممكن تبعد ؟
لم تلحظ أنها نطقت أسمه لأول مرة، دون سخرية او غضب... بل نطقته بتلقائية خالية من شوائب مشاعرها الحانقة تجاهه.. !!
لم يبتعد بل اقترب اكثر... لتصبح أنفاسه الحادة مسموعة لها.. رفع إصبعه ببطء يتحسس جانب وجهها برقة هامسًا بصوت رجولي:
-أول مرة تقولي يزيد !
ابتلعت ريقها بتوتر... اللعنة عليه وعلى ذلك القرب الذي يهلك أعصابها توتر ...!
هتفت مرة اخرى بضجر:
-إبعد بقا
هز رأسه نافيًا.. حتى أصبحت شفتاه على خدها يُحركها ببطء متناغم على إيقاع حروفه وهو يستطرد بخشونة واثقة:
-مش هابعد وكل ما هتقولي إبعد هاقرب أكتر، ولو ماسكتيش هاعمل اللي في بالي وما ادراكي ما اللي فـ بالي بقا وإنتِ حره !
دفعته فجأة بعنف بعيدًا عنها ثم رفعت حاجباها بتعجب طفولي غاضب تزامنًا مع إتساع عيناها البطيء وهي تردد مستنكرة:
-أنت بتهددني؟؟
اومأ مؤكدًا بلا تردد:
-اه
-اشطا
قالتها باستكانة طفولية حرفيًا وبدأت تبتعد عنه بتوجس.. حينها ابتسم رغمًا عنه وقد أدرك أنها طفلة بالفعل تخترق مرحلة متقدمة من الزمن باندفاع....!
نظرت للباب ولكن وجدته مغلق بإحكام... لن تستطع الهرب اذن !!
زفرت بيأس وهي تحك رأسها بإرهاق... ثم همست تسأله دون أن تنظر له:
-أنت اتأكدت أني مش هاقولك اي حاجة ومش هافيدك، حابسني لية بقا ولا هو تخلف وخلاص؟!!!
اقترب منها ببطء أقلقها... بدأت تشعر أن تلك الغرفة أصبحت ضيقة عليهما... أن انفاسها المتوترة تحارب أنفاسه الثائرة دون توقف!
وفجأة كان يدفعها نحو الحائط ويثبت وجهها بين يداه ويتنزع شفتاها نزعًا بتلك القبلة... قبلة إلتهم فيها شفتاها فازداد ذاك الحريق لهبًا....!!
ابتعد بعد دقيقة يقول من بين أنفاسه:
-أنا مبقولش الكلمة مرتين! قولتلك أنا سايبك ليه
ثم أشار لشفتاها التي بدت شبه متورمة..ورغمًا عنه تذكر مذاق شفتاها فابتلع ريقه وهو يتابع:
-ودي كانت عشان لسانك الطويل ده
ظل يراقب حركة شفتاها رغمًا عنه فهز رأسه نافيًا ومن ثم أغمض عيناه يهمس:
-امشي من هنا دلوقتي أحسن لك! 
ودون مقدمات كان ينادي على تلك السيدة الحادة التي أحضرتها لتطرق الباب خلال دقيقتان وتدلف هاتفة بجدية:
-أمرني يا يزيد باشا
كان مازال تحت سطوة ذلك التأثير اللعين بمجرد قبلة منها.. بين الجمود والأشتعال شعرة.... شعرة واحدة أحرقتها تلك القبلة !! ..
فخرج صوته أجشًا وهو يأمرها:
-خديها وحطيلها تاكل وتشرب واديها هدوم عشان تغير القرف اللي هي لبساه ده
اومأت السيدة بطاعة ودون أن تعطي دنيا فرصة الاعتراض كانت تسحب جسدها الهزيل بقوة نحو الخارج... بينما هو يمسح على شعره الغزير عدة مرات بقلق من القادم.........!

"طفلة في قلب الفرعون" بقلم/ رحمة سيدWhere stories live. Discover now