10|وَرطةَ حلوُة

293 54 68
                                    

1948م|مايو|1

الساعة الخامسة بعد منتصف العزلة، منذ ايام طويلة كنت استيقظ ذات الحالة في ذات الوقت، بضع دقائق قبل الخامسة، فافتح عيني واستغرق وقتا محدقة بسقف الغرفة.

ما عادت تنام جيني في غرفتي و بجانبي كما فعلت في الشتاء الماضي، عاد الصيف وجف المطر الهطال الذي سبب رطوبة وتلف لجدار غرفتها المهترئة، الحمد لله ما عادت قطرات المطر النابعة من شقوق السقف تزعج نوم صغيرتي. كما ما عاد الامان والدفئ يجاورني في الفراش.

عند انتقالنا لهذا المنزل، تدفقت السعادة لداخل جيني عندما اخبرتها بانه ثمة غرفة لها في منزلنا الجديد، غرفة تعلق بها لوحاتها، ترتب كتبها الزهيدة المحببة لقلبها علئ لوح من خشب، فيصبح بذلك لها مكتبه صغيرة.

كانت جيني دوما محبة للمعرفة شغوفة بالبحث، ورث هذا الامر من كلا والديها، لم اتمكن من تأمين ذهابها للمدرسة كجميع الاطفال، لكنني جهدت ورغبت دوما في شراء لها الكثير من الكتب. الكثير من قدرتي علئ ذلك. لا اظنه وفئ القليل مما يجب.

ابتلع تنهيدة واحاول النهوض، ابحث عن عكازة لأستند بها متجهة الئ الحمام، رغم ان فعل ذلك بات اصعب في الفترة الماضية، اشعر بأن حتئ قدمي السليمة قد استسلمت عن مساندتي. وتخلت عني.

اعود واستغرق وقتا للجلوس بوضعية مريحة، لا لكون قدماي الهزيلتان لا يعيناني بل لأتمكن من اتخاذ وضعية مناسبة حيث يمكنني تأمل العالم الخارجي من نافذتي.

وبعد سنين، لا اظن بأن هذه العادة ستفارقنني قط. وتنتابني بعض الرؤيا عندما اغرق في هواجسي، حتئ بت شبه مؤمنة بها، بأن روحي حينما تتحرر من جسدي، ستخرج من هذا النافذة وتحلق. آمل ذلك.

ابعدت الستائر وظننتني اغلقت صنبور تدفق هواجسي، تأملت شقوق الطريق التي اصبحت اكثر وضوحا، تلك الشقوق التي تهوي بي لعالم من التفكر، كنت اتسائل منذ الشتاء الماضي، لم شقوق الشارع الضيق في الخارج تسرق مني هذه التأملات الطويل؟

ألان اصابني شيء اشبه، بأدراك يباغت الفكر فجاة، ولعل النسيم الدافئ مع اشعة الشمس التي تسترق الي النظر من خلف الافق كانت دافع لتدفق ذكرئ ارتبطت بأجواء مشابهة.

اجـواء الحـرب.

قتام الهواء، شدة الصيف، شقوق الشوارع الضيقة الملوثة بأنهر الدماء...

تدفق الكثير، وخرج عن سيطرة عقلي وعجزت يدي عن ألتقاطه وسقط في ارض ذاكرتي. وهطلت دمعتان من عيني اليسرئ. يقال أن اول دمعة من دموع الحزن تهطل اولا من العين اليسرئ والعكس مع العين اليمنئ -عند الفرح- ، وانا هطلت اثنان من عيني اليسرئ ولم يهطل من عيني اليمنئ شيء.

رثاءُ ذكــرَياتٍWhere stories live. Discover now