الفصل الثلاثون

3.9K 239 0
                                    

تركت العنان لنفسي وأخذتني قدماي في جولة عبر الطرقات
حول المدرسة...
بدأت
ّ سرت في طريقي وأنا أحملق في كل فتاة تمر من أمامي، و
ّ أتفرس في ثياب النساء في طريقي، وبدأت ألحظ الشباب وهم
ّ يمرون بجوار كل فتاة أو امرأة، لاحظت أنهم يفسحون الطريق لكل
َ من ترتدي ملابس فضفاضة وحجابً ً ا طويلا، ولا ينظرون إليها.
كما لاحظت أنهم يلتفتون بعد مرور كل فتاة ترتدي الملابس
الضيّقة حتى لو كانت محجبة، وضايقتني نظراتهم لها وهم يلتهمون
جسدها بأعينهم بلا حياء أو خجل.
ّ تمه ً لت قليلا ً وراقبت بائع ً ا يقف أمام زبونة تشتري منه شيئا
وعيناه على صدرها المكشوف..

مررت ببعض النساء ممن يتركن جزءا من مقدمة الشعر تطل من ً من العنق وفتحة الصدر ويكشفن
تحت الحجاب ويكشفن جزءً
سيقانهن، ويُضيّقن على خصورهن بالأحزمة.
ً والتفت لأجد رجلا يسير مع زوجته صاحبة الحجاب الطويل،
ّ ويحيطها بذراعيه كلما اقتربا من زحام ليحميها من المارة.
وجذب انتباهي فتاة أخرى ترتدي حجابا لكنها تضحك مع رفيقتها
وتتحدث بصوت عال سمعه كل من مرت بجواره.
وصلت إلى الكورنيش، وقررت أن أسير قليلا لعل رائحة البحر
تخرجني من حالة الضيق التي كنت فيها، فبعد لقائي بـ"أحمد" أمس،
أجهز "مروان" على ما تبقى لدي من هدوء وسكينة.
مررت بشاب وفتاة بدا لي أنهما عاشقان، كانت تميل برأسها على
ً كتفه بطريقة مائعة، وكان منظرهما لافتا للنظر، للأسف كانت ترتدي
حجابًا يشبه حجابي.
مررت بفتاة صارخة الأنوثة، شعرها الحريري الأسود يطير على
ّ كتفيها، رأيتها وهي تمر بين الشباب، البعض يلتفت إليها ويتحسر،
والبعض ينهشها بنظرات جائعة، والبعض تخدش هي حياءه عندما
ً تجرحه وهو يستعفف، جلست قليلا على أحد المقاعد لأراقب هذا
ّ التدرج الرائع في لون ماء البحر... كم أعشق اللون الأزرق.
ّ حاولت أن أصف ّ ي ذهني من أي شيء يعكر مزاجي، وتنف ً ست قليلا
وأنا أستمع إلى دمدمة الأمواج المتوثّبة على صخور الشاطئ.
ً ابتعادي التدريجي عن الشاطئ أمهلني وقتا حتى أرتب أفكاري،
ً واتخذت قرار ً ا هاما.
عدت لبيتي وفتحت خزانتي وأخرجت ملابسي كلها ورتّبتها على
فراشي، قلّبت بيدي بين حجاباتي المختلفة
ّ تأملت صوري مع زميلاتي بالجامعة.
ً فعلا ّ كان "مروان" على حق، لا بد أن أغيّر من مظهري ولكن ليس
ً لأجل أحد؛ بل لأرضي الله، أحتاج درع ً ا أو حصنا يحميني من أي
ّ تصرف يؤذيني.
ً أحتاج شيئ ّ ا مثل راية أرفعها وأنا بين الناس ليعرف الجميع توجهي
وطريقتي التي أحب أن يعاملوني بها، شيئا كتلك الشارة التي يعلقها
ّطلاب المدارس ليعرف من حولي لأي شيء أنتمي، طريقتي في
ارتداء ملابسي ستجعل من أمامي يعرف أنني أنا "دعاء" مختلفة
عن أية فتاة أخرى، فأنا... لن أقبل أن أصافحك، ولن أجلس بجوارك،
ولن أضحك معك ولن تلقي أمامي نكتة من تلك النكات البذيئة، ولن
ّ أمد يدي لأخبط بدلال على يدك وأقهقه لو كنت تمزح معي، كما أن
المزاح ممنوع معي لأنك غريب عني ولست من محارمي، ولن أقف
ً معك أبدا وحدنا بطريقة بها شبهة.
ستتوقف عن فتح موضوع حساس عندما تراني أمامك لأنك
ستحترمني، ستحافظ على ألفاظك وأنت تتحدث وأنا موجودة، لن
تجرؤ على التلفظ بألفاظ تخدش حيائي، ستفسح لي الطريق عندما
ّ تراني أمر، سأجبرك على احترامي، وسأحافظ على نفسي.
ردائي وحجابي سيضع لمن حولي حدودا ولن يتخطاها أحد.
ّ ي صدري، وسأتوقف عن دس حجابي في
سأطيل حجابي وأغطّ
ياقة فساتيني وعباءاتي وقمصاني
ّ سأحاول ارتداء قفاز إن لزم الأمر حتى يراه الجميع.. ولا يمد أي
ّ م علي، فأنا أكره السلام على الرجال، وأعلم أنه لا
ّ
شاب يده ليسل
يجوز.
ولن أنسى هذا الرجل الذي التقيت به منذ ثلاثة أعوام وأنا مع
ّ م علي،
أمي في عيادة طبيب الأسنان، وكانت زوجته قريبة لأمي وسلّ
وظل ممسكا بيدي يتحسسها ويضغط عليها حتى سحبتها من يده
ّ بصعوبة وكنت في ضيق شديد منه، أما والد صديقتي "ريهام" والذي في كلّ مرة أزورها فيها وأرفض مصافحته
يقول لي:
- ربيتك وحملتك وأنت صغيرة وترفضين السلام علي؟
ّ
يده إلي ليسلّم
ّ أعلم أنه رجل طيب، وأعلم أنه ليس كلّ من يمد ّ
ّ علي فاسق وعديم الأخلاق، لكنني لن أغضب ربي من أجله، فما
ّ عدت تلك الفتاة الصغيرة التي رفع عنها القلم، سأردهم بلطف.
ّمر الوقت وأنا أدور في غرفتي، ابتسمت عندما لاحظت أن معظم
ملابسي زرقاء، حتى حجاباتي نصفها بلون السماء، وإن كانت بيضاء
فنقوشها الصغيرة باللون الأزرق!
ً وفجأة!.. سمعت جرس الباب، وصل خالي أخيرا، الآن أشعر
بالأمان..
ّ ولا بد أن أعد ً شيئا لنأكله، أي شيء طعمه لذيذ، لملمت ملابسي
ّ المتناثرة وذهبت لأعد الطعام..

غزل البنات Место, где живут истории. Откройте их для себя