42. ليلة في النهر -الجزء الثاني

931 118 28
                                    


لم يدري ماذا يفعل، وقف متجمدًا لثوانٍ طوال.

إن هذا هو القائد "باكيز" لا محالة، هو يعرف شكله جيدًا، فقد طلب من أحد رفاقه الكتاب من بلاد الجوع أن يرسم له كبار القادة قبل عدة سنوات، وهو يحفظهم، ويحفظ اسماءهم. إمتاز الكاتب بذاكرة قوية وأعين لا تنسى ما ترى.

ولكن كل ذلك لم يساعده حين وقف يشاهد جيش 'باكيز' يتقدم، أدرك الكاتب أن 'ڤيس' ستصير بحرًا من الدماء في خلال ليلة وضحاها. وأسرع بالاختباء في منزل شبه مهدوم كان يقبع في جهة من الجهات.

مكث هناك حتى عبر الجيش من على يمينه ويساره، حتى إرتجت الأرض من أسفله وشعر وكأن روحه ستفارق جسده في أي لحظة.. وغلبه الخوف. هم سيقتلون ڤيرونا، والاطفال، والعجوز وصغيرتها، والمتدينين، إن قائدهم هو 'باكيز'، وهو يقتل لأجل القتل فحسب.

ركض الكاتب على ساقيه الضعيفتين على أمل أن يصل ولو لمنزل واحد من منازل 'ڤيس'، فيحذرهم مما سوف يحدث، وينقذ عائلة واحدة على الأقل.

كان قلقه على ڤيرونا شديد، ولكنه كان يدرك أن عبدتها سيحمونها مهما كلف الأمر، وهرع نحو منزل العجوز الذي كان يقبع في أطراف ڤس فكان الأقرب له.

ركض لفترة طويلة غارقًا في أفكاره، وكان يكتب بينما يركض..وجدت ذلك غريبًا جدًا، ولم أستطع قراءة ما كان قد كتب حينئذ. بدت كأنها لغة أخرى، او أنه مزيج بين العديد من اللغات، او أن خطه كان عشوائيا فحسب.

وصل الكاتب لمنزل العجوز بعد أن كان الأوان قد فات..فكان يسير وقدمه تغرس في دماء متناثرة على العشب، ودخل بيتها دون مقدمات بينما قد سقط قلبه في بطنه، فوجد المنزل فارغًا تمامًا.

وبعدما بحث لقليل من الوقت وجد جثة العجوز أسفل بقرتها خلف المنزل، قد قتلها الجنود وهي تجمع الحليب..وكان الكاتب يدرك أن هذا الحليب هو طعام الرضيعة.

شعر الكاتب بغصة مؤلمة في حلقه، ليته جر العجوز معه حين رفضت. لو أنه كان يعلم، ربما لو أنه كان قد هم للسفر يومًا او يومين أبكر من الآن..لكان قد حذر سكان 'ڤيس' ومنع هذه المجزرة.

قاطع الكاتب أنين خافت صدر من داخل المنزل، وعاد للداخل يبحث في كل إنش عن مصدر ذلك الصوت. فوجد الرضيعة ضئيلة كما هي، تمكث فوق السرير ومن صغرها قد تعتقدها محض وسادة ناعمة.

لقد كان السكان يرمقونها في شفقة، فيتأسفون على حجمها، من كان يدري أن صغرها كان سببًا في نجاتها؟

حمل الرضيعة بين يديه، وضمها الى صدره..فشعر بقلبه يخفق في غرابة..وانتابته الرهبة، أهكذا يشعر الآباء حين يحملون أطفالهم لأول مرة؟ تساءل.

ربت على رأسها قليلا كما كانت تفعل الجدة، وقبضت بكفيها الضئيلين على ملابسه وكأنها تطالبه بألا يفارقها، وربما كانت مجرد حركة يقوم بها الرضع بدافع الفطرة.

أليماندرا- | الطريق لك |Where stories live. Discover now