43. ليلة في النهر- الجزء الثالث.

1K 141 28
                                    


كان يستمع لأصوات عديدة لا تنتهي، كل صوت يمتلك قصة ما ويحتويه مشاعر ما، تارة تختلط الأصوات فيعجز عن مواكبتها وتارة تهدأ فيغدو قادرًا على فهم كل قصة على حدى.

جلس هناك لفترة من الوقت، كان الفجر قد طلع لتوه والهواء خفيف بارد يلسع جلده. أخذ يوزع النظرات حوله بكل حيرة ممكنة..من أين تأتي هذه الأصوات؟ من المتحدث؟ هو وحده هنا بلا شك، ولا روح تتواجد على مرمى بصره.

كان يعرف أنه إبتعد بقدر كافٍ، حتى أن ثلاثة أيام أخرى من السير ستخرجه من الغابة. لكن أغلب الأصوات كانت تعود لجنود يتذمرون وأطفال ينوحون. وكان يعلم أن من تبقى في 'ڤيس' هم فقط الأطفال والجنود.

لم يجد تفسيرًا لما يحدث، ولم يدري إن كان ما رآه حلم أم حقيقة..لكنه كان ممتنًا لأن كتابه مازال برفقته، كتاب مهترئ قطعت بعض من صفحاته ولطخت دماءه بعض آخرين. أمسك به وكتب كل ما يذكر عن 'حلمه' على أي حال.

تفقد جرحه، وكان الجرح طفيفًا كأنه خدش سطحي ما. وإنتابته الحيرة مجددًا، فكيف لكل هذه الدماء أن تنزف من خدش بهذا الصغر؟

أدرك الكاتب أن شيئًا خياليًا قد حدث، لقد ضم ڤيرونا، وكان الأطفال الذين تلمسهم ڤيرونا يتعافون بشكل سريع وغير واقعي، مثلما حدث معه تمامًا. هكذا عرف أن حلمه في الحقيقة لم يكن حلمًا. وأن ڤيرونا قد قابلته، وتحدثت معه، وأمرته، وضمته، وتذكر دفئ جسده وغرابة مشاعره حينئذ. يستحيل أن يكون كل هذا محض حلم.

يقول الكاتب أن شخص ما كان قريبًا منه، وكان يسمع قصته بوضوح أكثر من القصص السابقة. وعرف منها أنه جندي من جيش باكيز، وقد قرر أن يسرع باللحاق بباكيز وجيشه الذين يتجون بهمه نحو 'أرض السحرة'، وكانت كل كلمة يقولها الجندي تزيد من حيرة الكاتب أكثر فأكثر.

أمرته ڤيرونا بأن يذهب خلف المياه، فأي مياه تقصد؟ ومن الذي يود بقاءه أو نهايته؟ سأل الكاتب نفسه، وإستنتج أنه كان يرغب ببقاء الرضيعة أكثر من أي شيء آخر.

وهنا لم يعد التفكير والإستنتاج كافٍ ليرضي فضوله، فحمل عصًا خشبيه سميكة بدت له كجذع شجرة مكسور..وسعى نحو الجندي. 'سأجعله يخبرني بما يحدث' كانت نيته، وهنا بدأ يتبع حدسه في العثور على الجندي، لم يعرف الكاتب من أين له كل تلك الشجاعة، ومن أين له هذا القدر من الثقة، وكيف يسير في هذه الطرق وهو يعي ويعرف أنه سيصل للجندي عبرها؟ هو يعرف الخريطة جيدًا، ولكن هذه القدرات تفوقه طاقة، وهذا الحدس أقوى من اللزوم.

لمح الكاتب جنديًا هزيلًا يرتاح خلف شجرة ما، فعرف أنه هو الرجل الذي يسمع قصصه، وضرب كتفه بعصاه السميكة ليطلق الجندي صرخة عالية مرتعبة.

دفع الكاتب بسيفه بعيدًا حين لاحظ أن الهزيل من أمامه يحاول الوصول له، وجذب ملابسه بعزم قائلًا: "ما الذي يحدث؟"

أليماندرا- | الطريق لك |Where stories live. Discover now