مَر الكَثير

82 4 0
                                    

أين؟
أين حُزني وآلَمي ؟
أين حُبّي لَكِ ؟
أين التَفاصيلَ التي لَم تَكُن تُفارِقَني ؟
هَل بَدأتُ إنسى ؟، هل سَيُشفى ذَلِك الجُرح العَفِن ؟

الشِتاءُ قادِم، بدأ البَردُ بِقَرعِ الأبواب، زارَت الأمطارُ بغدادنا، وقادِمَةُ لِتَلينا، إنَهُ اليَومُ الرابِعُ مِن شَهرِ نوڤَمبِر، مِنهُم الفَرحى، وَمِنهُم مَن يُغَطيهِ الحُزن، لا أحدَ فيهم فارِغ جَميعُهُم تَملأُهُم المَشاعِر بِعَدَمِ تَحديدِ لَونِها، إلا جون، ذَلِك الحائِر المُنغَمِس الوَحيد، الذي تَجَرَد مِن المَشاعِر، لَم يعتَد خُلو قَلبِّهِ مِن الحُزن، هو الذي لَم يُفارِق الوَهن، هو جون

كَسائِر الأيام، يقضي مُعظَم وَقتِه يُمارِسُ أحبَ شَيءٍ إلَيه، وَسيلَتَهُ المُثلى لِلهُروب، يُمَارِسُ النَوم.
——————

يستَيقِظُ مَفزُعًا، تَغَير شَيءٌ ما، رِيحٌ مَجهولَةٌ تَقتَحِمُ المَكان، أصوَاتُ خُطواتٍ لَم يَسمعها مُنذُ زَمن، راكضًا ذَهَب مُتَجِهًا لِلباب، ذَلِك الذي سَكن طَويلًا ولَم يُفتح، يَنظُر مِن خِلالِه، إذ بِهِ ساعي بَريدٍ يودِعُ مَكتوبًا داخِل الصُندوق..أيُ صُندوق؟، ذَلِك الصُندوق المُغطى بِالغُبار، ذَلِك الَذي لَم يَذُق أيُ رِسالَةٍ مُنذُ زَمَن، ذَلِك الصُندوق.

يفتَحُ الباب وصَوتُ صَريرِهِ يَتعالى، يمشي في غُربَةِ الفِناء، يفتَحُ الصُندوق ويلتَقِطها، يَدخُلُ مُسرِعًا دُون مَعرِفَةِ شَيء.
صَوت فَتحِهِ لِغِلافِها أعاد سِنينًا وأحيا ماكان مَنسيًا
يُخرِجُها دُون مَعرِفَةِ المُرسِل..
رِسالَةٌ جُل فحواها:

أولًا وبَعد السلَام...
أُحِبُّكَ
أما بَعد

سيأتي الغَدُ وأنت فيه
ستأتي أمانينا الَتي لطالَما تَمَنَيناها
سَنكونُ مَعًا والمَسافَةُ بَيننا بُحورٌ ولَيالٍ وصَرخات

أتى الشِتاءُ وأنت فيه
أتَظُنُ ياعزيزي بأن قَلبينا إفترَقا مِثل أجَسَدانا ؟
أتَظُنُ أنَهُما لايُحِبانِ بَعضَهُما ؟
أتَظُنُ أنَهُما إكتَرثا لِهذا الهُراء ؟.

سَمِعتُ أخبارَك، تعازيّ لَك ولِلعِراقِ بِفَقدِ إبنِ عَمِك
تهاني لَك فَقَد إجَتزتَ حُزنك
حسنًا أُنظُر، فَقَط أُحِبُّك، لا إعلَمُ أي شَيءٍ آخر، لا أعلَمُ ماذا أكتُبُ وكَيف أُعَبِر، فَدِقَةُ التَعبيرِ كانت ميزَةً أنت مَن كَسبها، لَطالما عَبرَت عَينايَ بَدل يَدي وفَمي، أريدُك أن تَنظُر لِتِلكَ النَجمَةِ مَساءً
تِلكَ الَتي جَمعتنا، تِلك الَتي بِحُبِّنا شاركَتنا، أنظُر لَها وشاهِدني فيها.

عُزلةWhere stories live. Discover now